كان هنالك شابٌ وسيم لطيف
كان يعرف بضحكتهِ التي لاتفارق شفتيه
وبشاشته الفاتنة
كان يجذب كل من رآه
كان قلبُ وروح وصفاء لا افتراق بينهم
وسمتهُ أمه بـ "جسد"
وله صاحب يكاد يفوقه لطافة وجمالاً
جمال الروح والأخلاق اجتمعا في وجنتيه
ولُقب بـ "روح"
كانا كالأخوين و أكثر
ترعرعا في نفس الحي منذ طفولتهما لم يفترقا
كانا كأهل وأكثر هذا يقبل رأس أم ذاك
لا فرق فـكانت لهم أمّان لا واحدة
لا يمر وقتٍ بدون اجتماعهما
لا يفرقهم إلا النوم
في يوم التقى "جسد" بـ فتاة في أحد أزقة الحي
أستمر ينظر لعينيها لساعات طوال
هو لا يشعر بالوقت
وهي أيضاً نسيت نفسها
وأول كلمة صدرت من "جسد" أحبكِ
-ما أسمكِ؟
- قالت "قلب"
-فقال هيا أدخلي فأنا جسد أحتاج لقلب وأملك روح
دخلت ذلك الجسد فدهشت لم ترى من قبل كهذا
كان طهارة ونقاء ودهاء وذكاء
وجمال وكمال وعطاء
وأصبح بينهم توافق عجيب
في فترة قصيرة
من نظرة يعرف بما داخلها وهي أيضاً تعرف ما يفكر به
لم يختلفا ابداً ابداً على شيء
"روح" يخاطب "جسد":
- يا صاحبي أنا أعلم بحالك وأعرفك منذ طفولتنا ولن أقول ما سأقول إلا لمحبتي إياك وأنت أعلم بمكانتك عندي والرب يشهد، أرجوك
أرجوك إبتعد عنها فأنها ستسبب لك ألم وجرحاً لن يشفى
- وأجابه مبستماُ: وهل يحيا جسد بدون قلب ونبض؟
ومرت الأيام وأتفق "جسد" مع "قلب"
سيتزوجا قريب في هذه الأيام
وكل من يعرفهما يعلم بأن "قلب" ليست إلا لـ "جسد"
وصلا لمرحلة روحان في جسد واحد وفكر واحد ايضاً
حلقا عالياً بأرواحهم وصلوا لخارج الكون وصنعوا كوناً خاصاً بهم
كان جميع العاشقين يغارون منهم
تسببا في فراق الكثيرين لدافع الغيرة
فكان ميثاقهم:
"مهما حصل لن يفرقنا سوى عالم الأرواح أحدنا في الأرض والآخر في الفردوس ينتظر"
وبعد مرور شهور وربما سنين
كان "جسد" عائد إلى منزله كانت الساعه 2:47م
استقبلتهُ أًخته الشقيه فقالت:
-هذه الليله ستتزوج "قلب"!
- فأجابها ضاحكاً كفاكِ يا أختاه فأنّي اليوم مُتعب، ليسَ هذا وقت للمزاح
- فهمست له لستُ بمازحة والرب
فحسَّ بالكون يتلاشى أمام عينيه انهمرت تلك الدموع
ورحلت تلك البسمة
شعر كأن الكون أنطبق عليه لا أنفاس ولا كلام ولا حتى رؤية
فخرج مسرعاً
ركب سيارته
إتصل بها فقال ماهذا؟
أجابته هذه الحياة
ورمى بهاتفه على الطريق
ورحل
إلى اين؟
لا هو يعلم ولا هم يعلمون
فخرج خارج مدينته رحل لمدينة ليسَ يُعرف ملامحه فيها
وبقي وحيداً بشقةٍ بعيده كان يقضي نص يومه مُستلقي على أريكته الفاخرة
والنصف الآخر كان على فراشة الدافئ
قضى هناك أيام وشهور لا يميز يوم عن آخر سوى دموع تدرف أكثر
وعين يزداد احمرارها وجسد ينحف وينحف وتلك اللحية تزداد شيبا وشَعراً
وفي منتصف الليل سمع شخصاً يحاول فتح باب الشقة
حاول وحاول لم يستطع
فأخذ يضرب الباب ضرب ملهوف
فخرج "جسد" مُسرعاً ليعرف من هذا فلا أحد يعرف مكانه ابدا
فتح الباب فأنقضَ عليه "روح" بإحتضنه
-فقال يا صاحبي إنّي أبحث عنك منذ شهور
صدقني بأنّ الحياة لن تقف على "قلب"
فنحن هنا ونشتاقك دوماً ونريدكَ بيننا
فـ وربي فراقك صعبٌ يا أخي
- فأجابه باكياً لا أريد الحياة فدعني أموت هنا
بين نفسي ونفسي
فلا حياة بعدها
قسماً بأني اتمزق كُل يوم
لم تبقى حياة
فأنا منذ أول لقاء لي بها
تخيلت حالنا بعد أن نكهل ويغزو الشيب رؤوسنا
قالت لي أحبك
فمجرد انتهاء الكاف
رأيت كل شيء
قبلتنا الأولى ولذهتا و وقوف الكون فيها
رأيت قسماً بأني رأيت حفل زفافنا وهي خجلة بين صديقاتها تضحك وترمقني
وامي كان فرحة ليلتها وأبي لم يستطع إخباء فرحة فعيناه فضحتاه
ورحيلنا لمنزلنا الجميل بنفسها اختارت كُل شيء به
ورأيت سفرنا بسيارتي ماسكاً يدها وأقبلُ بطنها المملوء بمولودنا الأول
ورأيت ولدي الشقي يتعبها
ورأيت الكثير الكثير
حتى وصلت للفراش الأبيض المؤدي للفردوس
ورب السماء كيف تريدين أن أعيش بعدها؟ فلم تبقى لي حياة
- فقال "روح" انتظر واسمع
فأخذ هاتفه وكلم أم "جسد" واباه
فقالا تعال يا بُني فإن فراقك يحرقنا ...
حتى انتهوا
ولكن "جسد" بقي على حاله مُتبلد جداً
فأخذ "روح" يضرب "جسد" ضرباً مُبرحاً
ولا شيء تغير
فخرج "روح" أحضر سكيناً لم يرى "جسد" أكبر منها
فقال وربي أحدنا سيموت هذه الليلة اقتلني أو أقتلك
أو هيا أخرج معي للحياة
بعد نقاش وضرب خرج "جسد" برفقة "روح"
فسأل "روح" :
وأن فقدتني ستفعل كُل هذا؟!
- فأجابه ضحاكاً سأقيم حفلاً وأرقص فيه حتى التعب
سيكون عيداً
كانا عائدين إلى مدينتهم الجميلة
كان "جسد" ينظر لصاحبه مُبستماً وأخذتهم الأحدايث
وفجأة لا احد يعلم كيف
سمع صوت الفرامل القوي وبعدها فقد "جسد" الوعي لدقيقتان أو أقل ربما
فتح عيناه لم يرى إلا حطام ودماء
فأسرع لصاحبه فرآه مضرجاً بدماءه
لا يعلم ما حاله كان يواجه صعوبة في التنفس
فمسكه بيديه وحطه على فخذه
أنت على مرام يا صاحبي لا تبتأس فأنا هنا وأنت لن ترحل
ودقايق وحضرت سيارات الاسعاف
كانت اضواءها تملئ المكان
وتجمع الناس حولهم
كان "جسد" مرافق "روح" في سيارة الأسعاف
ماسك بيديه مُحدقاً لعينيه
فجأة أنقطع نفسه
فكبى "جسد" فقال أنت حي لم ترحل أعلم
فأبعده الأطباء
وفارق "روح" الحياة بيني يدي "جسد"
فبقى "جسد" بلا "روح" و "قلب"