مع التحية .. الى اللقاء، إن وُجد.
توطئة: صفر
كي تكون عميق، يجب أن تكون غني بالتجربة، والتجربة تتطلب المجازفة ومقارعة الأخطار، ما دمت تريد الحياة، فلا تخشى أبدًا.
(1)
أفتقد الحياة كثيرًا، أنني عالقٌ هنا، الظلام بدأ ينتشر بجسدي، لا أريد برسالتي هذه شيء منك، ليت الفراغ الذي بيننا ينتهي، ويصبح غيمة حبلى، لقاء أبدي، حقيقة كالموت، حتمي كمسيرة الإنسان بالوجود، هارب كالتاريخ، وأبطاله الحمقى، أتعلمين! شكي في أوج قوته، شباب بعد مراهق ربما، عقلاني حد العاطفة، ألملم تناقضاتي، أرسمها بجدار غرفتي، أحرقها قرب نافذة المنفى، لعلّ عصفور تائه بالعزف ينتشل الدخان كأغنية لم تتعدى حنجرة الوعي، ما هو الوعي؟ هل هو صلاة وتأمل بأعماق روحي، أم خيانة إجتماعية ضد الأعراف والتقاليد، أم إتباع لنبي نسي تعاليم الحياة ومابعدها، أم شراء حرية من دكان الوهم بزاوية العتمة، ربما تحطيم كل ما سبق.
(2)
جدي كان فيلسوف حياة، لم يقرأ سيرة فيلسوف واحد، لم يشم رائحة الورق، كان حكيم، يقاتل الزمان، دون أن يحمل قصيدة بذاكرته، لم يشعر بخواء الحداثة، كان واقعي، يغرس خنجره بالمثالية دون أسى، حرث الأرض، كفكف دماءه، رفع أشرعة الإنتماء لذاته، أما انا أصبحت أتنفس الورق، أفتش عنه بكل بلاد، وبالحقيقة أبحث عن ذاتي التي أكلها الدهر، أترقب طعم الحياة، ثقب الحداثة يتعبني، لا لون ولا طعم، فقط شكل بلا معنى، وسائل بلا أهداف، ميزان بلا عدل، ضياع للهوية، وما نحن دون الذاكرة، سوى أشباح، أشباح تسير بلا هدى، لا تعلم لمَ، لكنها تواصل، رغم التعفن، كيف تغتال الشبح الذي بداخلك، وتبقى واقف، لا ترتجف، لا تسقط، هكذا وكأنك برج بناه آدم لآخر حفيد سيبقى على وجه الأرض. عندما كنت بالخامسة من عمري، سألت جدي: لمَ تبكي السماء على شكل مطر؟ ضحك ودمعته بعينه وأجاب: شوقًا لأبناءها بالأرض يا بن الفردوس.
(3)
كنت وحدي بتلك الصحراء المظلمة، أركض حاملاً رأسي، قرب خاصرتي، أبحث عن ينبوع الذكريات، سقطت به فجاةَ، تجرعت ذكرياتي، وذكريات من مضوا، أرى سقراط بسجنه، يتجرع السم بلا أسى، وأفلاطون برداءه الفضفاض، يركض بعيدًا، يداري دمعه ووحدته، يهرب ليمجد أكاديميته، ليخترع منطق أرسطو، المضاد لجمهوريته، فجأة، أرى مشاهد حياتي، سنين مضت، ظننتي نسيت هذه التفاصيل "التافهة" لكن الذاكرة أمينة، لا تحذف شيء، بل تُخفي أشياء.
(4)
أنى لهذا الإنسان أن يصنع علاقات مع الطبيعة، أن يلقي تحية الصباح على جبل شامخ وسحيق كالزمن، يبارك له يومه، ثم يمضي، وأن يتخذ غيمة خليل له، عابرة ربما، وسترحل حتمًا، يتعلق بها كمعشوقته، كالمطر مهاجر مع سبق الإصرار، وأن يقف متأملاً لبوح البحر، لزرقته الأبدية،
لغموضه الخفي، ويقينه الذي يعبر عنه بالأمواج، متذبذب، كجهاز إرسال أثري، وأن يتنفس رائحة الأعماق، وتتسع حدقة وعيه المشتعل بلا بؤرة، وأن يصيّر السماء سقفًا، ومدخنة لتجديد ضوء الروج الذي يخفت من شدة التراب الذي يعصف بها كل ساعة، وهذا الجسد الذي ينمو كزهرة بالربيع، له فصول العمر، وذبول كختام لا بد منه، كل الكون وطني، وإنتمائي لذاتي فقط.
(5)
سأمد أشرعة الروح، محلقًا بين القوافي والمحن، مبعثرًا شكي، أبحث عن شيء ما، أضعته؟ ربما! أتحسس الوجود بجهلي، متشبث بعزلتي، أغفو غفوة كاذبٍ، أراقب وعيي، هل رحل؟ وغدر برأسي على حين عتمة، أحمل غضبي أنى رحلت، كجندي ببندقيته، والأعداء اخترقوا الحدود، هل لأفكاري حدود معنوية؟ وهل لروحي سقف لا يخترق؟ لا أعلم، أسير أقلب وجوه العابرين، كقصيدة، أبحث عن المعنى ببحرها، حتمًا كلٍ منهم له عمق ومعنى، هم ليسوا خشب على ما يبدو، ثم أخطو على مهلٍ، فهذه أمنا الأرض، وقدماي أنامل عازف، على سلم موسيقي خفي، قلبي كونٌ مزدحم، يرفرف، بكل حرية، كدخان لا يؤمن بالسلاسل.
(6)
أنني بالكتابة أحاول إبراز شيء ما، غامض، أضخم خلاياه كي يهبني بعض من المعنى، أعيد خلقه من جديد، أعرف الواقع بشكلٍ آخر، كما أراه بحدقة من سراب، أو رصاصة بمنتصف الرأس. الكتابة نوع من التجلي، خروج من الجسد، والمحيط، لعالم غامض، أفكار، حروف متعجلة، فجأة ينقطع الخيط الواصل بينك وهذا العالم، لتتفاجئ بجسدك، بما حولك، "منذ متى انا هنا، أين انا!"
(7)
عندما تخطر ببالي كلمة "قراء" كنت أظن بأن المقصود بها، هو قراءة الكلمات عن طريق النظر للأحرف، تبيّن لي بأن معنى "قراءة أعم وأشمل، نحن نقرأ ملامح الوجه ونستخرج مابداخله، مظهر الفاكهة لمعرفة جودتها، السماء والأرض، الكون وهذا الوجود اللامنتاهي، القراءة هي استخراج للمعنى، من كل شيء، بشتى الوسائل، ولغايات متباينة
(8)
كل شيء يذكرك بالغربة، يشير إليها دون تلميح، كصوت الفناجيل، وبُعد السماء، حتى ملامحك بالمرآة، حزن القصيدة، ذبول القافية، وتياه البحر، وشدة العزف بلا أمل أو إنتهاء، بحة صوتك المكتوم، عمق عينك، نمو المسافات، وحدتك ... وحدتك
(9)
تساؤل يلحّ بأعماقي كطفل لم يخالجه يأس، ما الذي يستحق أن تفني عمرك لأجله؟ الفن، الإستكشاف، ولا فرق بينهما، انني أستكشف يقين الآخرين، أتجول بين عقيدة هذا، ومذهب ذاك، وربما إلحاد صديقي، لا أقيّم أيّ منهم، فقط أتأمل، الإنسان يخشى على أوهامه أن يمسها أحد بسوء، أو بخير، لا فرق، فهي تمثل له الحقيقة المطلقة، التي يسعى لأجلها، ويضحي بكل شي لها، فهي القوة الحقيقية التي يرتكز عليها، هي حياته، كيانه ووجوده المقدس، عكاز من الوهم يساعده على تحمل ماتبقى من العمر. التصنيف هواية الإنسان، يسألك عن أصلك ومسقط رأسك، ودينك، وأي نادٍ رياضي تشجع، كي يضعك بالرف المناسب، الذي بالطبع محمل بالأفكار المسبقة، المبنية على القوالب أو الصور النمطية، التي هي بلا شك بعيدة عن حقيقتك كفرد مستقل، عرفًا وإجتماعيًا تحمل إنتماء لعقيدة أو مذهب ما، وإن كنت بأعماقك بعيد عنه، لا ينفك الناس أن ينسبوك إليه.
(10)
هل بقي جوهر الفن أم تاه كما تاه الإنسان؟ ربما تحوّل لترفٍ، بعيد عن التعبير عن أعماق روح الإنسانية والعصر، لم يعد آلة تنفيس لايحيا الإنسان دونها.
أميلُ لكل ما هو إنساني، بالرغم ان "الإنسانية" مصطلح مضلل للحقائق، كالحرية تمامًا، يتخذها المرء رداءً عندما يريد إقناع جماعة ما، بفعلٍ مضاد لما يدّعي، فيغتال الإنسان لحماية الإنسانية، ويقصف مدينة كاملة بعد أن أهلكهم التفجير، بدافع السلام لا أكثر، "لا تخشوا .. لاتخشوا، نحن نحمي أمنكم يا سادة، لا تتحرك، نعم ثبت رأسك جيدًا، لا تبتسم، تبًا لدموعك" فجأة دماء بكل مكان، ودوي الرصاص يطرب الحاضرين، ويزداد الحماس لتصويب فوهة "الرشاش" لأفواه المزيد من الجائعين، بدافع إنساني نبيل، لا تنسى، ولا تنصت لأعداء الحقيقة، فنحن الحقيقة المطلقة. ربما الإنسان يسير مثقلًا بتاريخ كوكبه الأرضي، يحاول غزو الفضاء، تزيد مشاكله، ويخترع أعظم آلات الدمار، كي يبني حضارة بدموع حضارة سحيقه.
(12)
وقفت أمام تمثال ميدوسا المقلوب رأسًا على عقب، متأملًا عينيها والأفاعي بشعرها، هل سأتحول لحجر كما ذكرت الأساطير، شممت رائحة التاريخ بالمكان، وطرت بأجنحة أفكاري، هل سنسير بدائرة التاريخ الحتمية كما ساروا، هذا المكان أرى به بقايا آلاف السنين، أقف به انا، بكل حداثتي أتحسس عراقة الجدار، والنقوش، والأعمدة، وهذه المياه الحمراء، التي سرقت روحي بعزفها المشير للأبدية، كيف بنيت كل هذه الحضارة منذ القدم، هل كان هنالك تقنية وتطور ثم اندثر، ونزعم نحن بأننا أبناء التطور ومخترعيه، غارق بتساؤلاتي ...
(13) أو ربما نافذه للتفكير
كل الموارد قابلة للنفاذ، الإستثمار الدائم والمربح هو تنمية العقول، واستغلال الطاقة البشرية الهائلة بشكلٍ سليم، هكذا ننمو كأفراد وجماعات ودول وحضارات.
ماذا نفعل نحن؟
لا شيء، فقط نستهلك، نضيع الوقت، الطاقة، عقولنا، ونريد أن نشيّد حضارة، ونستدل على قدرتنا بالعرب قبل مئات السنين، نردد أسمائهم، وانجازاتهم.
يجب أن نعي بأنهم استغلوا ثروتهم البشرية، ونحن ضيعنا بشريتنا، وشيدنا حضارة قوامها الوهم، وهذه الشكليات المجوفة، نحن مستهلِكون ومستهلَكون.
نحن نغرق ولا نحاول السباحة، نصرخ بأسماء أجدادنا، الذين كانوا ماهرين بالسباحة، وهذا لا يغير واقع غرقنا.
أغلب المفاخرين بالأجداد هم الذين فقدوا الحاضر والإنجاز.
نقرأ التاريخ لنكتشف هويتنا، ونتخذ من الماضين عبرة، لا للتفاخر والسكون.
إن لم يكن التاريخ درس، فإن الحاضر ظلام محشو بالخواء.
(0)
سلامً على كل ما هو أتٍ، على المجد في عينيك، الخبز والصلاة، الحبر والدموع، الطريق حين تاه، على الحرب حين سرقت السلام، رجفة جسدي الخائف، الوجود حين ابتلعنا، روحك بحجم عتمة الليل، الإنسان بمنفى الحياة.
باب الخروج: صفر
لا تكن مسالمًا كالأموات، اغضب، تحرك، كي تثبت وجود على متن الكون.
هذه الرسالة موجهة لك أنت، لا أعلم إن كنت حي، أم بالمستقبل أو الماضي، كل ما أعلمه أنك تحيا بداخلي، وتُحيي هذه الروح التائه، هل انت وهم أم واقع!
توطئة: صفر
كي تكون عميق، يجب أن تكون غني بالتجربة، والتجربة تتطلب المجازفة ومقارعة الأخطار، ما دمت تريد الحياة، فلا تخشى أبدًا.
(1)
أفتقد الحياة كثيرًا، أنني عالقٌ هنا، الظلام بدأ ينتشر بجسدي، لا أريد برسالتي هذه شيء منك، ليت الفراغ الذي بيننا ينتهي، ويصبح غيمة حبلى، لقاء أبدي، حقيقة كالموت، حتمي كمسيرة الإنسان بالوجود، هارب كالتاريخ، وأبطاله الحمقى، أتعلمين! شكي في أوج قوته، شباب بعد مراهق ربما، عقلاني حد العاطفة، ألملم تناقضاتي، أرسمها بجدار غرفتي، أحرقها قرب نافذة المنفى، لعلّ عصفور تائه بالعزف ينتشل الدخان كأغنية لم تتعدى حنجرة الوعي، ما هو الوعي؟ هل هو صلاة وتأمل بأعماق روحي، أم خيانة إجتماعية ضد الأعراف والتقاليد، أم إتباع لنبي نسي تعاليم الحياة ومابعدها، أم شراء حرية من دكان الوهم بزاوية العتمة، ربما تحطيم كل ما سبق.
(2)
جدي كان فيلسوف حياة، لم يقرأ سيرة فيلسوف واحد، لم يشم رائحة الورق، كان حكيم، يقاتل الزمان، دون أن يحمل قصيدة بذاكرته، لم يشعر بخواء الحداثة، كان واقعي، يغرس خنجره بالمثالية دون أسى، حرث الأرض، كفكف دماءه، رفع أشرعة الإنتماء لذاته، أما انا أصبحت أتنفس الورق، أفتش عنه بكل بلاد، وبالحقيقة أبحث عن ذاتي التي أكلها الدهر، أترقب طعم الحياة، ثقب الحداثة يتعبني، لا لون ولا طعم، فقط شكل بلا معنى، وسائل بلا أهداف، ميزان بلا عدل، ضياع للهوية، وما نحن دون الذاكرة، سوى أشباح، أشباح تسير بلا هدى، لا تعلم لمَ، لكنها تواصل، رغم التعفن، كيف تغتال الشبح الذي بداخلك، وتبقى واقف، لا ترتجف، لا تسقط، هكذا وكأنك برج بناه آدم لآخر حفيد سيبقى على وجه الأرض. عندما كنت بالخامسة من عمري، سألت جدي: لمَ تبكي السماء على شكل مطر؟ ضحك ودمعته بعينه وأجاب: شوقًا لأبناءها بالأرض يا بن الفردوس.
(3)
كنت وحدي بتلك الصحراء المظلمة، أركض حاملاً رأسي، قرب خاصرتي، أبحث عن ينبوع الذكريات، سقطت به فجاةَ، تجرعت ذكرياتي، وذكريات من مضوا، أرى سقراط بسجنه، يتجرع السم بلا أسى، وأفلاطون برداءه الفضفاض، يركض بعيدًا، يداري دمعه ووحدته، يهرب ليمجد أكاديميته، ليخترع منطق أرسطو، المضاد لجمهوريته، فجأة، أرى مشاهد حياتي، سنين مضت، ظننتي نسيت هذه التفاصيل "التافهة" لكن الذاكرة أمينة، لا تحذف شيء، بل تُخفي أشياء.
(4)
أنى لهذا الإنسان أن يصنع علاقات مع الطبيعة، أن يلقي تحية الصباح على جبل شامخ وسحيق كالزمن، يبارك له يومه، ثم يمضي، وأن يتخذ غيمة خليل له، عابرة ربما، وسترحل حتمًا، يتعلق بها كمعشوقته، كالمطر مهاجر مع سبق الإصرار، وأن يقف متأملاً لبوح البحر، لزرقته الأبدية،
لغموضه الخفي، ويقينه الذي يعبر عنه بالأمواج، متذبذب، كجهاز إرسال أثري، وأن يتنفس رائحة الأعماق، وتتسع حدقة وعيه المشتعل بلا بؤرة، وأن يصيّر السماء سقفًا، ومدخنة لتجديد ضوء الروج الذي يخفت من شدة التراب الذي يعصف بها كل ساعة، وهذا الجسد الذي ينمو كزهرة بالربيع، له فصول العمر، وذبول كختام لا بد منه، كل الكون وطني، وإنتمائي لذاتي فقط.
(5)
سأمد أشرعة الروح، محلقًا بين القوافي والمحن، مبعثرًا شكي، أبحث عن شيء ما، أضعته؟ ربما! أتحسس الوجود بجهلي، متشبث بعزلتي، أغفو غفوة كاذبٍ، أراقب وعيي، هل رحل؟ وغدر برأسي على حين عتمة، أحمل غضبي أنى رحلت، كجندي ببندقيته، والأعداء اخترقوا الحدود، هل لأفكاري حدود معنوية؟ وهل لروحي سقف لا يخترق؟ لا أعلم، أسير أقلب وجوه العابرين، كقصيدة، أبحث عن المعنى ببحرها، حتمًا كلٍ منهم له عمق ومعنى، هم ليسوا خشب على ما يبدو، ثم أخطو على مهلٍ، فهذه أمنا الأرض، وقدماي أنامل عازف، على سلم موسيقي خفي، قلبي كونٌ مزدحم، يرفرف، بكل حرية، كدخان لا يؤمن بالسلاسل.
(6)
أنني بالكتابة أحاول إبراز شيء ما، غامض، أضخم خلاياه كي يهبني بعض من المعنى، أعيد خلقه من جديد، أعرف الواقع بشكلٍ آخر، كما أراه بحدقة من سراب، أو رصاصة بمنتصف الرأس. الكتابة نوع من التجلي، خروج من الجسد، والمحيط، لعالم غامض، أفكار، حروف متعجلة، فجأة ينقطع الخيط الواصل بينك وهذا العالم، لتتفاجئ بجسدك، بما حولك، "منذ متى انا هنا، أين انا!"
(7)
عندما تخطر ببالي كلمة "قراء" كنت أظن بأن المقصود بها، هو قراءة الكلمات عن طريق النظر للأحرف، تبيّن لي بأن معنى "قراءة أعم وأشمل، نحن نقرأ ملامح الوجه ونستخرج مابداخله، مظهر الفاكهة لمعرفة جودتها، السماء والأرض، الكون وهذا الوجود اللامنتاهي، القراءة هي استخراج للمعنى، من كل شيء، بشتى الوسائل، ولغايات متباينة
(8)
كل شيء يذكرك بالغربة، يشير إليها دون تلميح، كصوت الفناجيل، وبُعد السماء، حتى ملامحك بالمرآة، حزن القصيدة، ذبول القافية، وتياه البحر، وشدة العزف بلا أمل أو إنتهاء، بحة صوتك المكتوم، عمق عينك، نمو المسافات، وحدتك ... وحدتك
(9)
تساؤل يلحّ بأعماقي كطفل لم يخالجه يأس، ما الذي يستحق أن تفني عمرك لأجله؟ الفن، الإستكشاف، ولا فرق بينهما، انني أستكشف يقين الآخرين، أتجول بين عقيدة هذا، ومذهب ذاك، وربما إلحاد صديقي، لا أقيّم أيّ منهم، فقط أتأمل، الإنسان يخشى على أوهامه أن يمسها أحد بسوء، أو بخير، لا فرق، فهي تمثل له الحقيقة المطلقة، التي يسعى لأجلها، ويضحي بكل شي لها، فهي القوة الحقيقية التي يرتكز عليها، هي حياته، كيانه ووجوده المقدس، عكاز من الوهم يساعده على تحمل ماتبقى من العمر. التصنيف هواية الإنسان، يسألك عن أصلك ومسقط رأسك، ودينك، وأي نادٍ رياضي تشجع، كي يضعك بالرف المناسب، الذي بالطبع محمل بالأفكار المسبقة، المبنية على القوالب أو الصور النمطية، التي هي بلا شك بعيدة عن حقيقتك كفرد مستقل، عرفًا وإجتماعيًا تحمل إنتماء لعقيدة أو مذهب ما، وإن كنت بأعماقك بعيد عنه، لا ينفك الناس أن ينسبوك إليه.
(10)
هل بقي جوهر الفن أم تاه كما تاه الإنسان؟ ربما تحوّل لترفٍ، بعيد عن التعبير عن أعماق روح الإنسانية والعصر، لم يعد آلة تنفيس لايحيا الإنسان دونها.
أميلُ لكل ما هو إنساني، بالرغم ان "الإنسانية" مصطلح مضلل للحقائق، كالحرية تمامًا، يتخذها المرء رداءً عندما يريد إقناع جماعة ما، بفعلٍ مضاد لما يدّعي، فيغتال الإنسان لحماية الإنسانية، ويقصف مدينة كاملة بعد أن أهلكهم التفجير، بدافع السلام لا أكثر، "لا تخشوا .. لاتخشوا، نحن نحمي أمنكم يا سادة، لا تتحرك، نعم ثبت رأسك جيدًا، لا تبتسم، تبًا لدموعك" فجأة دماء بكل مكان، ودوي الرصاص يطرب الحاضرين، ويزداد الحماس لتصويب فوهة "الرشاش" لأفواه المزيد من الجائعين، بدافع إنساني نبيل، لا تنسى، ولا تنصت لأعداء الحقيقة، فنحن الحقيقة المطلقة. ربما الإنسان يسير مثقلًا بتاريخ كوكبه الأرضي، يحاول غزو الفضاء، تزيد مشاكله، ويخترع أعظم آلات الدمار، كي يبني حضارة بدموع حضارة سحيقه.
(12)
وقفت أمام تمثال ميدوسا المقلوب رأسًا على عقب، متأملًا عينيها والأفاعي بشعرها، هل سأتحول لحجر كما ذكرت الأساطير، شممت رائحة التاريخ بالمكان، وطرت بأجنحة أفكاري، هل سنسير بدائرة التاريخ الحتمية كما ساروا، هذا المكان أرى به بقايا آلاف السنين، أقف به انا، بكل حداثتي أتحسس عراقة الجدار، والنقوش، والأعمدة، وهذه المياه الحمراء، التي سرقت روحي بعزفها المشير للأبدية، كيف بنيت كل هذه الحضارة منذ القدم، هل كان هنالك تقنية وتطور ثم اندثر، ونزعم نحن بأننا أبناء التطور ومخترعيه، غارق بتساؤلاتي ...
(13) أو ربما نافذه للتفكير
كل الموارد قابلة للنفاذ، الإستثمار الدائم والمربح هو تنمية العقول، واستغلال الطاقة البشرية الهائلة بشكلٍ سليم، هكذا ننمو كأفراد وجماعات ودول وحضارات.
ماذا نفعل نحن؟
لا شيء، فقط نستهلك، نضيع الوقت، الطاقة، عقولنا، ونريد أن نشيّد حضارة، ونستدل على قدرتنا بالعرب قبل مئات السنين، نردد أسمائهم، وانجازاتهم.
يجب أن نعي بأنهم استغلوا ثروتهم البشرية، ونحن ضيعنا بشريتنا، وشيدنا حضارة قوامها الوهم، وهذه الشكليات المجوفة، نحن مستهلِكون ومستهلَكون.
نحن نغرق ولا نحاول السباحة، نصرخ بأسماء أجدادنا، الذين كانوا ماهرين بالسباحة، وهذا لا يغير واقع غرقنا.
أغلب المفاخرين بالأجداد هم الذين فقدوا الحاضر والإنجاز.
نقرأ التاريخ لنكتشف هويتنا، ونتخذ من الماضين عبرة، لا للتفاخر والسكون.
إن لم يكن التاريخ درس، فإن الحاضر ظلام محشو بالخواء.
(0)
سلامً على كل ما هو أتٍ، على المجد في عينيك، الخبز والصلاة، الحبر والدموع، الطريق حين تاه، على الحرب حين سرقت السلام، رجفة جسدي الخائف، الوجود حين ابتلعنا، روحك بحجم عتمة الليل، الإنسان بمنفى الحياة.
باب الخروج: صفر
لا تكن مسالمًا كالأموات، اغضب، تحرك، كي تثبت وجود على متن الكون.
هذه الرسالة موجهة لك أنت، لا أعلم إن كنت حي، أم بالمستقبل أو الماضي، كل ما أعلمه أنك تحيا بداخلي، وتُحيي هذه الروح التائه، هل انت وهم أم واقع!
روحك بحجم عتمة الليل ..الإنسان بمنفى الحياة
ردحذفمبدع للمرة الرابعة أقرأها الآن
وكأنها الأولى .
في الحقيقة كنت أقارنها بأختها إنسان ، ووجدت أنك ازددت تألقاً
دمت .