الجمعة، 7 أكتوبر 2016

رصاصة الوعي

(0) ​ توطئة:
-         لماذا ندوّن ياصديقي؟ هل لنزيح غيمة الحزن عن صدرنا المتآكل، أم لنرسم وجود أبدي لذاتنا الراحلة للمجهول الهامد.
-         أتعلم لطالما نظرت للكتابة كفعل إنساني مجرد، أعتقد بأنها ضرورة روحية بالدرجة الأولى.
-         كتابتنا مجوفة فارغة لدرجة اننا أصبحنا نكتب عن الكتابة، هل غاية الكتابة تعريف ذاتها! انني متناقض وهذا جلي وواضح جدًا، وهذه هي الحقيقة.
-         هل الحداثة سرقت المعنى والروح من كل شيء! هل تضخمنا كي نمتلئ بالفراغ الهش.

(1) اختلاس نظر:
متمسكٌ بعروة الصمتِ، لأصل لصومعة ذاتي، حيث الطريق يبدأ منّي إليّٓ، لأمكث بعاصفة العزلة، أرسم خارطة اليقين والسلام.
انني كالليل منفيٌ بالظلام، أتجرع السماء عذبة دون أن يقيدني المكان، حدقة الزمن تبتلعني بلا رجاء، أنزف بحثًا عن الحبر الذي انبثق من روحي، تتسرب ذاتي تائهة بالوجود، مخلصة للعدم الذي أثقل نورها، ناديت بملئ دمي: رباه! انتشلني من عتمتي، فالفجر أضاع خارطة الكون، والإنسان استقر بظل الحياة، يخشى تجرع الوعي، وأن يرسم خطيئة الكلمة، أن ينزف لتأويل رموز الرياح، انها غضب الحراك "لا تمكثوا هنا" اشعلوا وهج الفكرة تهطل لكم عملا.

كيف سننمو دون أن ننغرس بالأعماق.

(2) خروج وربما بداية:
على الشاطئ أجلس وحدي على الرمال، يميني رجلٌ توجه للقبلة يُصلي لرب السماء، والكثير من البشر مثلي، ننظر للبحر، للأفق الذي لا ينتهي، نحدّق بالعدم، بهذه الحتمية التي لا منطقية بها، ننصت لمعزوفة الموج الي تراقصها الرياح، غروب الحياة للمساء، هروب أشعة الشمس من كوكب الأرض، ثم ماذا! تهرب أرواحنا كي نبقى جثث هامدة، وراء المجهول نتساءل ما الحياة؟ وما بعدها؟ موكب البشرية يسير مكبل الأجنحة، يحمل أثقال التاريخ ليصبح مجرد رقم يعانق الصفر من جديد.

(3)
منذ صرخة الروح التي انبثقت لهذا الوجود، والإنسان يلهث بكل حنجرته بحثًا عن المعنى، يسير على حبل الزمان حتى يقيده على خارطة المجهول التي لا تُرى إلا بعد حتمية السكون الأبدي، انه مشدود بين الأرض والسماء، تقطعه المادية وتخنق أنفاسه الروحانية التي تكبل هذا الجسد الهش، اننا نعزف بنوتة العمر الذي ينزف كلما اشتد الوتر، نفتش عن أصل الإنسان كي نضع أنظمة نسير على خطاها بهذه الحياة، نخترع نظريات لا أصل لها سوى عقلنا الذي وضعنا منطقه السليم على حد علمنا الزهيد جدًا، أجسادنا قيد لهذه الروح، تمزق أجنحتنا كي لا نصل للسماء يومًا ما، السماء يارباه كم من نجم يضيئها، كم من عوالم هناك في الأفق البعيد، هل انا كائن وحيد بهذا الكون الذي يتوسع بشكل متسلسل للأبد، اننا نحصد الوعي من بذور الجهل، جهلنا الأبدي ودافعنا للبحث الغامض، للسير بطرق المعرفة المليئة بقسوة الشتاء، برد ووحدة لا ينتهيان، لا قرار ولا ثبات دائم، نحطم كل مسلمّة عقلية نؤمن بها، حتى نعود لدائرة الفكر، لهذا القلق الفكري الذي يلازمنا، في كل حياتنا وأحلامنا، يهاجمنا بغتة بكل عنف، يسرقنا من روتين الحياة اليومي الراكد، يحملنا لأعلى قمم المجهول!

(4)
هلِعٌ قلِقٌ من الحياة يركض خلف فتات السنوات الآتية يجمع حزمة الأيام كي يصفي له الصفر الحتمي، أفكار تهاجم عقله كجنود همجية لا تعرف النظام لكنها بارعة بالدمار الأزلي، من يخلق الدمار؟ النظام أم العبثية والهمجية، أو كلاهما لكن الأول محترف بحيث لا يراه المبصرون، والآخر أحمق لا يعرف سبيل لإخفاء ما بداخله من دوافع هدّامة، انني محاط بالأسئلة وشتات الأفكار الحالمة، ما الحلم يا رباه وأين الحقيقة منه، لماذا نعمّر الأرض للفناء؟ ونستنزف العمر لمن سيأتون لغاية الرحيل الأبدي، هذه الحياة عصيّة عن الفهم، والمعضلة الحقة عندما نصل للفهم، نعود للصفر فجأة على حين غفلة من وعينا الذي يرتدي حلة التنوّر المعتم، العتمة يا رباه ولّدتها أشعة النور الذي سرقها الظل دون خارطة للهروب، ربما السير دون غاية مطلب الإنسانية هنا، لا نبوح به خجلًا من أن يظنون بأننا حمقى نسير بلا هدى، أين سواء السبيل الذي لم نضعه لأننا لم نراه ونعرفه في البداية أصلًا، كيف نفقد ما لم نملك، لا نملك حتى أنفسنا، نحمل خطانا التي هي خلاصنا الوحيد من السكون، نجرجر المسافات كي تنمو أرواحنا بيقين التجربة، وننبهر بمعزوفة الكون التي تحلق بأجنحة دون أوتار وسماء، نحن نظرية بمعادلة خفية الأرقام، مليئة باللغة التي تسيّر كل ما نريد وما لا نريد، هل الإرادة غاية وهمية! ام الوهم غطاء نتدثر به كي يقينا برد الوجود القارص، انها رحلة المعرفة، حيث تسير وحيد بغابة ضخمة مليئة بالثلوج والأكثر من بقايا الشجر والبشر، نبحث عن حاضرنا بالماضي السحيق، آلاف الأعوام مرت ملايين المفكرين رحلوا، الأكثر سقط من ذاكرة البشرية، وبقى القليل، ولا زالت الأفكار الفلسفية تهاجم الإنسان بضراوة وكأنها حرب مقدسة لا تنتهي إلا بنفي الطرف الآخر لعالم الأموات، نمجّد الموتى ولا نلتفت لما يفعل الأحياء إلا عندما يرحلوا من بين أيدينا، نعظّم ما فعلوا وما قالوا بعد أن يعانقهم الصمت المحدّق بنا، كيف لأجنحة الإنسان أن تحلق وهو مثقلٌ بالتاريخ وغبار الأماكن التي خلفها الماضون والمارون هنا، عندما لم يكن هنالك طريق يسمى حقيقة مسلٓمٌ بها نسير على هديها كي لا نضل طريق السماء، السماء التي تنمو بأعماقنا كلما تلاشى عزف الأرض بصدرنا.

(5)
هل نستطيع سحب رصاصة الوعي ومعانقة براءة الحياة مجددًا، العودة للملائكية، حيث نظرتنا تداعب بياض الثلج، نتراقص بلا خوف من السقوط أو التعب، دون المشي بحذر كي لا يكبلنا الموت حتى نتلاشى، لا تقيدنا قوانين وأنظمة تخنق روح الإبداع التي بثها الإله فينا، نعزف على الأرض بخطواتنا حتى تنتشر ألوان البهجة بالنفوس، نفوسنا التي تراقب عقارب الساعة بخوف أن تكف عن الحراك، نفعل كل شيء لنثبت وجودنا على هذا الوجود، وما الإنجاز إلا إثبات الذات للذات، ليذهل بها الآخر وتنمو الثقة بصدورنا، لنجد الله بنبضنا، ونحطم الأصنام التي تقف كعائق روحي، صنم الانتماء، وأصنام كثيرة كالمجتمع والعادات وما تحمله الأديان من شوائب والصنم الأكبر هو ذاتنا التي تميل لرياح الغرور، رغم هشاشة إنسانيتها، وانصهار البصيرة المضللة، والتواء الحقيقة بين ألسنة البشر وماتحمله الكتب من نظريات وقوانين لا يثبتها شيء غير براهين الوهم المحدق بنا، ما نحن ومسيرة التاريخ البشري الضخمة، هل نحن وقود أم عجلة أو ربما أرض خصبة ينمو بها الحرف دون قافية وتأويل، إنما الحياة رحلة بحثٍ عن المعنى، وقلمٌ سأتركه الآن دون سبب منطقي.

(6) رؤيا
اني شهدتُ ولادة النص الأولى، انفجار الكلمات العظيم، رأيت أكف السماء ترسم حدود الكون، تزرع المعنى، محكمة الوجود تستجوب الجبل عن الأمانة، ويقف الإنسان شامخ يحملها على كاهله الهش، لترحل الجبال بصك البراءة، ويبقى الإنسان ذو شك مع سبق الإصرار، لتنمو أعماقه بكل الاتجاهات، لا تؤمن بأي حدود، كالأوهام هي الرؤيا تمتد وتشكّل كل ما تراه لتصبح مسلمة عقلية بديهية، نحن صنعنا المنطق كي نطلق الأحكام بدليل قطعي، نحن الأدلة والبراهين، سنصبح خرافة أسطورية ساذجة يسخر منا أحفادنا، نرتدي المعرفة كي تقينا برد العالم المجهول، نشعل حطب العقل ونتدثر الأفكار، نحن المسافة بالنسبة للزمن يقطّعنا كي يمر، هذه الدائرة الغامضة، تشير للأبدية بإصبع العدم، هذه البشرية لا تملك سوى الطريق، تستعجله كي يمر منها ثم يدفنها باردة هامدة، الى أن تمطر السماء وعي من يقين، وتخترق العين الظلام، تفضح ملامحه الخفية منذ فجر التكوين، ان الحرية تسير نحوي كي أختار مخاوفي التي تتحكم بأدق تفاصيل حياتي، الخوف هو حجر الأساس بحياة الإنسان، هو البندقية والدرع، الربكة والطمأنينة، الضحكة والرقصات، معزوفة عبثية متناسقة التركيب، اللغة حاجز يقيد الإنسان، يضيّق منظوره الواسع للكون، نزرع بذور الشعور كي تنمو بداخلنا، وما نحن إلا الشعور، المعنى والحب والحياة، هذا الليل، والمعزوفة الأبدية للنجوم، تشعرني بضآلتي، وتضخم الشعور بقلبي، بالرهبة، بالاطمئنان، تناقضات بعدد النجوم وأكثر.


(7)
مصفد باللغة، أتجرع الصمت على مهل، دون همس أتدثر شرنقة اليقين، أتحسس المشاة على الطريق، انني الوجهة والمسافة، مابين الزمن والأبدية، هناك لا تنظر، اشعل بقايا البصيرة ودع قلبك يرسم خارطة الوجود ثم يحمل ما تبقى من خُطاك على هذه الأرض ويمسك يد العمر ويرشده ضفة المجهول، عيناك أضيق من أن ترى، ازرع بذور الشعور بصدرك كي تُزهر روحك، اننا محض روح وجسد والكثير من الشعور، لا تعيق معزوفة التاريخ، تخفف من الموروث، اخلع غبار الذكريات، ارسم أفكارك بألوان تصنعها يدك، السقف خرافة والحدود وهم، انت الحقيقة، زد سنوات أنفاسك بالتجربة، استنشق الحركة التي تجري بكيانك، السماء مظلتك، الأرض صومعتك، انك بستان ينمو على ضوء القمر.


(8)
كأنني حلمٌ بلا بستان، أعزف الليل عِشقًا دون برهانِ، أجثوا قرب جسدي، أدثره بالأرق، ثم أسير وأسير، للسماء، أرسم حدود الكون، أتأمل فلسفتي التي أتشحت بالتجربة، تعمّق البُعد واتسعت بؤرة المفاهيم، ما العادة إلا وهم رسمه السابقون وقدسناه كحدود لا يوجد بعدها سوى الفراغ والمستحيل، هل سألت الأرض يومًا: لمٓ يقيد المجتمع الإنسان بآليات خاوية من المعنى، هل هو كائنٌ تقني بالدرجة الأولى! يعمل كجهاز وأرقام منطقية لا تبحث عن المشاعر فقط الصورة الشكلية والناتج النهائي، دون أن يعيش اللحظة، أن يستمع بطريق الرحلة، اننا الغاية القصوى والوسيلة الأولى، هل يعقل عندما رفعوا راية الإنسانية سقط الإنسان الكامن فيهم! نبني قصورًا من التاريخ كي تتشبع الذاكرة المتقدة بالحياة، وما الإنسان إلا ذكرياته وما يحيا، يتراجع عمر الكائن البشري للصفر عندما يكف عن التجربة والاستكشاف، عندما تكف مشاعره عن الاشتعال بالدهشة، ويقف عقله عن السؤال، عندما يتخم بالسكون الأبدي، عندها فقط يسقط بالعدم الأبدي، دون أمل.

 (0)نافذة تعلن الهبوط للسماء:

انني المكان وما تبقى من أغصان السنديان، وسر أبى أن يموت لأنه لم يولد بعد بوعي البشرية، ظاهر كتلويح أكف العابرين، خالٍ من المعنى قابلٌ لكل تأويل، دون أن يمسوا نسيم الحقيقة، أتدثر سكون الطبيعة، متوغل في الصمت، في الثرثرة، ألملم السلام المتبقي بروحي، أستنشقه كي أطير، للكون، للسماء ... أطير