أصوات عقلي عندما تبدأ
معزوفة الصباح
تمهيد
ربما
صديقي كان مسافر لبلد
ما، كان سائح فضولي، كأي سائح تبحث عينه عن الدهشة، رأي حشد متجمع بشكل طابور بقرب
نافذة صغيرة، ذهب مسرعًا وأخذ مكانه بالصف ورائهم، عندما وصل لنهاية الصف أعطاه
الرجل الواقف هناك أوراق وعظيه تنشر تعاليم معتقدٍ ما، أخذ المنشورات ومشى يضحك من
نفسه، ومن الأوراق، ما الذي حثه للوقوف والانتظار لشيء يجهله جملةً وتفصيلا؟
بدايةً
دعونا نتحدث عن
السعادة ثم ننتقل للجمال.
ظاهرة انتشرت
بالمجتمع المحلي، والعالمي حتى، الترويج للسعادة بأنها نمط واحد، وهو كما نرى نمط
حياة المشاهير، والأثرياء، أن تمتلك الكثير من الأموال وتلتقط الكثير من الصور
التي تثبت ذلك، وأن ترتدي الماركات العالمية الباهظة الثمن، ذلك الأمر الذي جعل متوسطي
الدخل والفقراء أيضًا يسعون وراء هذه الأمور، التي تستنزف أموالهم وأعمارهم،
متناسين بشكلٍ كلي الحياة النفسية الداخلية للفرد، وأن السعادة اساسًا هي شعور
داخلي، كل فرد يجده في شيء مختلف عن الآخر، ربما أجد سعادتي في أمر يجلب التعاسة
لك! السعادة أمر نسبي.
وما يحصل من حفلات
ضخمة تكلف الفرد أموال لا يمتلكها أصلًا، حفلات الزفاف المبالغ بها، صالة أفراح
ضخمة وفاخرة، ووجبة دسمة تكلف عشرات الآلاف، وتجهيزات لا تنتهي إلا بالديون التي
سيدفعها الفرد لمدة سنوات، لأجل ساعات قليلة لا يوجد بها إلا السعادة الزائفة، هذا
ما روّجه الأغنياء وتحمله نفقته الفقراء.
صديق لي قام بحفل
زفاف فاخر، ولكنه لم يكن يمتلك غرفة نوم!
أما بالنسبة للترويج
لمعايير الجمال، كما نرى أيضًا فإن المشاهير لهم تأثير كبير، يروّج أحيانًا بأن
الجميلة هي القصيرة والنحيفة، وأحيانا العكس، الطويلة الممتلئة، وبأن الجميلة هي
التي تضع المكياج الأكثر في الحفلات كما نرى، والمصيبة بأن بعض الفتيات هن أجمل
بدون استعمال مساحيق التجميل، لكن هو تأثير الجمهور، الأغلبية الساحقة والمسحوقة،
لا تستطيع الفتاة الذهاب لحفلة دون استعمال مساحيق التجميل، تردد (ماذا سيقولون
عني).
الجمال نسبي ومتغير
على مر الزمن، لو ألقينا نظرة على تاريخ الجمال لرأينا بأن كل حقبة زمنية لها
معاييرها الخاصة للجمال، وكل بقعة جغرافية أيضًا لها معاييرها الخاصة،
موضة
الاختلاف:
الأغلبية تسعى
للاختلاف لأجل الاختلاف فقط، مما أدى لظهور فئات مختلفة بشكل مرضي مشوه، أًصبح
الاختلاف هو تبعية عمياء هوجاء، دون وعي.
الثقافة:
موضة القراءة ثم
الكتابة، أصبح القارئ أو القارئة شخصيات جذابة، لا يهم نوعية ما يقرأ ولمن يقرأ،
المهم أن يقرأ وكفى، حتى لو كان يقرأ أتفه المؤلفات، وتبعًا لذلك ظهرت الكتب
الهابطة، لمؤلفين مستواهم جدًا بسيط، لكن لديهم معجبين وجمهور يضخم لهم كل أعمالهم
الساذجة، القرّاء يهمهم شكل الكتاب، وحجمه، بحيث لا يكون كثير الأوراق وصعب
القراءة، لأنهم لا يمتلكون الكثير من الوقت لقراءة العلم الحقيقي، فيقرأون أشباه
العلوم، ويصورون صور احترافية للورقة وينشرونها، وبذلك أصبحوا مثقفين من الدرجة
الأولى ويتفلسفون بشكل سطحي مثير للشفقة،
اختلال
المنطق:
المسلمات العقلية هي
التي يتفق عليها غالب الجمهور، الأمور الحسنة والسيئة أيضًا هي من صنع يدهم.
ينصهر الإنسان
بالمجتمع لدرجة أن يغفل عن أهدافه ومخاوفه الشخصية.
الجماعة تقوي الحقائق
وتدعم الخرافات لتصبح حقائق، لا يكلف الفرد نفسه حتى للبحث عن صحتها، لأنها من
تراثنا المقدس، ومع ذلك يذم ويشتم كل من يتبع تراث آباءه دون أن يلتفت لنفسه بمرآة
الوعي.
وعندما يبحث عن
الحقيقة تبدأ المأساة، يضع مسلمته العقلية أمام عينيه ويبحث عن الأدلة التي
توافقها ويسجلها، والأدلة التي تعارض فكرته يسخفها ويحاول تبيين زيفها، وبالنهاية
يصل بأنه هو الحق المطلق الصحيح الباقي الى الأبد.
(تعليقاتكم تعني لي الكثير + انشر رابط التدوينة اذا نالت على إعجابك)