الجمعة، 3 مارس 2017

المشي: بين الإنسانية والحداثة

السير: بين الإنسانية والحداثة.

‏مفتاح:
‏لم نعد نسير على اثنتين إلا نادرًا، فنحن نسير على أربعة عجلات بالغالب.

‏باب:
‏اليوم هو السبت، نهاية الأسبوع بالطبع يوم راحة لبدء أسبوع آخر والعمل مجددًا، استيقظت مبكرًا هذا الصباح، أكلت فطور جيد، وتجرعت موسيقى عميقة، وكان لدي موعد لصيانة سيارتي الصيانة الدورية بورشة الوكالة، انطلقت للوكالة، وأخبرني المسؤول هناك بأن سيارتي سوف تجهز عند العصر، وسألني إن أردت ان يوصلني لمنزلي، شكرته كثيرًا وأخبرته بأني سوف أتدبر أمري وخرجت، والآن فكرت هل أتصل بأحد الأصدقاء ليأتي، حتمًا لا بالتأكيد هم نائمون، أخرجت هاتفي وفتحت تطبيق الخرائط لأرى المسافة لمنزلي، ساعة وربع، وبدأت في السير على الأقدام، وهنا بدأت الدهشة والصدمة، لم تكن شوارع المدينة كما كنت أراها، هنالك حياة أخرى غير حياة السرعة التي نحياها داخل سياراتنا، أول أمر لفتني بأن شوارعنا ليست صالحة للمشي أصلاً، لا يوجد مكان للمشاة، ولا احترام لهم، رأيت أمور كثيرة لم أرها من قبل، كنت أقرب للناس، أرى تحركاتهم، تعابير وجوههم، والكثير من تفاصيل المباني والمحلات التجارية الصغيرة، الإحساس بالهواء وحرارة الشمس، قرب الإنسان لطبيعته وعفويته.

‏نافذة:
‏لا يعني هذا بأن هذه أول مرة امشي فيها، بالعادة أتمشى عند الشاطئ وبالحدائق، وأسير كثيراً عند السفر، ولكن لم أكن أسير بالطرقات التي اعتدت أن أمر عليها على عجل دون أن اتأمل ما حولي.
‏اعتدت السير والتجول لمدة ساعة وأحيانًا أكثر، المدة التي تسمح بها حالتي الفكرية والنفسية والمزاجية، وبالعادة أكون عند الشاطئ أو قرب المزارع أو الجبال، أحب أن أكون بقرب الطبيعة، أن أشعر بأني جزء منها، وهي جزء مني، ونحن كيان واحد لا يفصل بيننا شيء، أقلب أفكاري الفلسفية، أتأمل بعض الأمور الروتينية التي تبدو انها تافهة، أنصت للريح وهي تصم أذني، وتفتح جفن وعيي، أراقب الطيور عند الشاطئ وهي تحرك أعينها على عجل كي تحصل على سمكة للغذاء، وأنتظر كوكب الزهرة عند الغروب، فهو أول من يرسل وهجه لكوكبنا بعد القمر، هذا الكوكب الذي حيرني كثيرًا، يظهر قبل أن تعتم السماء، إن كنت لا تعرفه ستظن بأنه طائرة بعيدة، ثم مع الأيام ستتأكد من انه نجم سماوي يشع، والحقيقة هو كوكب بديع الجمال، أول مرة اكتشفته كنت مع زوجتي، نتأمله كل يوم، نتعجب من منظره المبهر، نتفكر في السماء والنجوم والكواكب والكون الضخم اللامتناهي، وعندما تمر أيام كثيرة ونحن بعيدين عن بعض، نرى الزهرة كمرآة لروحينا، دائمًا معنا، بالسماء، أينما كنا، فهو يرسل لنا نوره الجميل، وعندما بحثت عنه، وجدت بأنه كان يرمز قديمًا للحب والجمال!

‏أريكة:
‏هذه العادة التي فقدناها بسبب تفكيرنا بالبعيد واهمال القريب، نحب الذهاب لكل شيء بعيد عن منزلنا، ولا نلقي نظرة تأملية على ما هو قريب منا بالفعل، ضريبة التطور، هذه العجلات الأربع السريعة، التي جعلتنا دومًا على عجلة من أمرنا، تقود سيارتك، وأنت مشحون بطاقة سلبية هجومية، تشتم هذا، وتضايق السير على الآخر، وكأنك في معركة مصيرية بين حضارات تاريخية، تخالف الأنظمة المرورية، حتى ربط حزام الأمان الذي هو لحماية جسدك من الهلاك، لا تربطه! وهو لا يكلفك إلا ثوان قصيرة، ومجهود بدني بسيط جدًا، وبالعكس إن لم تربطه سيكلفك حياتك والكثير من الأضرار الجسدية، وقطع الإشارات الحمراء التي هي لتنظيم سير هذه المركبات، وتجاوز الآخرين بالإشارات بالسير على جانب الطريق ثم العودة للتقدم على الجميع، وكأنهم لا يريدون الذهاب وانت وحدك المهم جداُ، والأماكن المخصصة لمواقف السيارات، الكثير يركن سيارته بمنتصف الطريق ويسبب ازدحام واعاقة لحركة الآخرين، دون أن يبالي أو يهتم لغيره بكل أنانية، يريد الوقف أمام بوابة المحل التجاري تمامًا، والمضحك أن هنالك موقف متاح على بعد سبعة أمتار! لا أحد يريد السير والعناء، وكأننا مصابون بداء في أرجلنا، هذه النعمة التي فقدت قيمتها بأنفس البشر.

‏كوب قهوة:
‏في بعض الأحيان أقود سيارتي لمسافات بعيدة وأوقات كثيرة، تصل إلى 15 ساعة وأحيانًا 12 ساعة، وحدي بكل هذه الطرقات، أطوي المسافات التي لا تنتهي، أمر بكل الحالات النفسية الفكرية، والكثير من الأفكار العدمية، والمشرقة كذلك، أرى تضاريس مختلفة، أبقى وحدي انا وأفكاري التي جمعتها تملئ عزلتي بالحياة، أناقشها أحطمها تحطمني، ثم نكمل ما تبقى من مسافة أصدقاء كالظل وأكثر، والغريب حقًا، أن هذه الأفكار والتأملات هي التي تساعدني كثيرًا عندما أعود للحياة الطبيعية بين الآخرين، أرى موقعي بالكون، أجدد نظرتي له، للإنسان، والوجود، وهكذا أبني فلسفتي التي تجدد نفسها باستمرار، دون يقين بوجود نقطة للوقوف، لا يوجد سوى الكثير من الفواصل، لكن يجب علينا نعي بأنها فواصل وليست نقاط.

‏مصافحة الوداع:
‏كسائح أنظر للكون بدهشة!

هدية وتذكار:
عندما أشعر بضياع كبير، وحزن أضخم يجتاح صدري، أتصل لصديقي لنذهب لمزرعته بعتمة الليل، نذهب بعيد عن المدينة، نسير بالظلام بين الأشجار والنخيل لساعات طويلة، نتحدث عن كل شيء، ننصت للسماء، للنجوم والقمر، نراقب الطائرات الكثيرة الي تأتي وتذهب لمدينتنا.

أبيات أبو القاسم الشابي ترنُ في ذاكرتي:
«سَأَظلُّ أمشي رغْمَ ذلك، عازفاً
قيثارتي، مترنِّما بغنائي»
«أمشي بروحٍ حالمٍ، متَوَهِّجٍ
في ظُلمة ِ الآلامِ والأدواءِ»
النّور في قلبِي وبينَ جوانحي
فَعَلامَ أخشى السَّيرَ في الظلماءِ»
«إنّي أنا النّايُ الذي لا تنتهي
أنغامُهُ، ما دامَ في الأحياءِ»

وايليا أبو ماضي يقول:
جئت، لا أعلم من أين، ولكنّي أتيت
ولقد أبصرت قدّامي طريقا فمشيت
وسأبقى ماشيا إن شئت هذا أم أبيت
كيف جئت؟ كيف أبصرت طريقي؟
لست أدري!

ولا ننسى أحمد مطر:
قفوا ضدّي دعُوني أقتفي وَحْدي .. خُطى وَحْدي ! أنا مُنذُ اندلاع براعم الكلماتِ في مهدي قَطعت العمرَ مُنفرداً أصدُّ مناجلَ الحصدِ.

فكرة:
أقترح أن تكون المدونة القادمة لكم جميعًا ومنكم، أن نعمل صندوق بريد نضع فيه رسائلنا، جميع الرسائل التي ستصل والتي لن تصل أيضًا، سواء رسالة لصديق، حبيب، لنفسك، لشيء، لفكرة، لمكان، نرحب بجميع الرسائل، ومن يود أن يضع رسالته بهذا الصندوق فليتواصل معي عبر البريد.

octavi0o@hotmail.com

وبالنهاية ضع رأيك بالتعليقات يسعدني أن اقرأ كل حرف منكم.