الجمعة، 20 أكتوبر 2017

رسالة روح بشرية

أكتب إليك الآن وأنا أتأمل نجوم السماء، ٥٣ نجمة، نعم رقم حقيقي وليس عشوائي، قمت بعدّها وأنا مستلقٍ على صخرة، البحر هادئ هذه الليلة، جلست بالضفة الخالية من البشر، تصلني همساتهم على خجل، أرى أضواء المدينة من بعيد، دخان المصانع، تمر بخاطري الإنسانية وهذه الأرواح التائهة، إلى أين نتجه؟ ماذا نفعل بهذا الكوكب المتشبث بالفضاء؟ تدهشني هذه النجوم المتناثرة، هناك نجم يومض بشكل سريع، إن النجم يحتضر منذ سنوات كثيرة، وربما الآن لا وجود له، كل هذا بذمة السنوات الضوئية التي اكتشفها (أو ربما اخترعها) العلماء، لكن هل يحيا هناك مخلوقات حية غير الإنسان؟ هل فكرت يومًا بأن الإنسان ليس محور لهذا الكون؟ ربما لا أحد يكترث لنا، لا يوجد شيء مسخر لنا، نحن منسيون بهذه العتمة، نسير نحو العدم.

حاولت كثيرًا معرفة ماهية العدم، بدأت بإزالة كل شيء بشكل تدريجي، الأصوات من حولي، الصخور التي بقربي، التراب، البحر، المدينة، بكل أسى أزلت كل الأشخاص الذين أحبهم وأعرفهم، الذين أجهلهم كذلك، طرت نحو الفضاء، لا وجود لكوكب الأرض بعد الآن، صمت مطلق، لا أصوات ولا حراك، نجوم متناثرة أزلتها، بقيت وحيد جدًا، يجب أن أحذف ذاتي كي لا أكون، ويكون العدم، لا أعتقد بأنه ظلام دامس، لأن الظلام هو غياب الضوء، دائرة جهلي تتسع أكثر مما ظننت.

نسيم الهواء بارد لطيف، كأنه موسيقى ترحيبية بالشتاء، أحب الشتاء كثيرًا، يجعل كل شيء عميق، الأزقة والطرقات، ألوان الحياة تصبح أكثر وضوح وكأن رسام قد ضغط على الفرشاة كي يتركز اللون، هنا تتضخم وحدتك، يزداد شوقك للماضي، للذكريات بكل ما حوت من مشاعر متناقضة، تحنُ للموسيقى، لبخار كوب القهوة، لرائحتها ولمرّها بلا سكر، تترقب المطر والفردوس الأبدي، تعانق النار وتبحث عن سلام داخلي يعم الكون.

رأيت الكثير من المدن، لكل مدينة روح خاصة بها، بعضها يحتويني بكل حب، والآخر يرميني بلا أمل، للمكان ذاكرة وللزمن كذلك، أرواح من مرّوا من هنا، طويت الكثير من المسافات، تملكتني مشاعر مختلفة، سعادة، حب، حزن، خوف، تردد، خفة، خالطت أصناف متباينة من البشر، لكنني بقيت وحيد بلا وحشة تغزوني، تشكلني الحياة لأتغير بإستمرار، كإثبات وجود بالوجود، أجهل الكثير، كلما حاوت محو سطر بالعلم زادت حيرتي وجهلي، يتملكني غرور عابر وأقول: الآن عرفت الحقيقة! لا يبزغ الفجر قبل أن أضحك لهذا الغرور الكاذب وأعترف بأنني لا أعلم، هذا كل ما أعلمه.

***

يسرني جدًا قراءة تعليقاتكم فهي تعني لي الكثير.