الأربعاء، 15 أكتوبر 2014

لا شيء يأتي من العدم

منذ سنوات وفكرة العدم تؤرقني ليلًا، أستيقظ فزعًا بمنتصف الليل أتفحص الوجود الذي يخلو حتمًا من العدم، أصبت بأرق مزمن غير مَرضي، بل هو فكري، أرق فكري لا يؤمن بالرحيل هو وفي جدًا على ما يبدو.

صرح بعض الفلاسفة بأننا أتينا من العدم وسنرجع للعدم، أي بعد الموت لا يوجد شيء سوى العدم، وهذه الحياة عبثية، حاولت كثيرًا التعمق بالعدم لمعرفة ماهيته الغامضة، أيُعقل أن أخرج من إطار الوجود بشكل مطلق الى اللامكان! سقف تخيلاتي عن ماهية العدم هو الظلام، الظلام هو إنعدام الضوء، لا أعلم كيف يغمض عينيه من يؤمن بفكرة العدم، ألا يخشى بأن يسقط فجأةً للعدم ولا يعود للوجود! فكرة مرعبة جدًا، مع مرور الأيام والأفكار استنتجت بأن فكرة العدم فكرة غير منطقية، عندما نقرأ أخبار بلا مصادر او إشاعات هذا لا ينفي بأن هناك من كتبها لهدف ما، لا نستطيع القول بأنها أتت من العدم سيضحك علينا الجميع.

عندما نتأمل هذا الكون الضخم اللامحدود الذي يتحرك بنظام دقيق جدًا يعجز عنه البشر، نخجل أن نقول بأنه أتى من العدم هكذا عن طريق الصدفة، دون غاية، كل نظام بغض النظر عن كيفية نشوءه دائمًا تكون له أهداف وغايات يريد تحقيقها، حتى نظام القطيع عند الحيوانات تكون له أهداف يريد تحقيقها بهذا القطيع المنظم، فما بالك بهذا الكون المُتضخم، الكثير من الفلاسفة يؤمن بأنه أتى من فكرة او العقل، او قوة ما والطبيعة تُنظمه بشكل دقيق، وكأنهم يشيرون إلى الله خالق هذا الكون ومنظمه بقوانينه الإلهية.

أحيانًا نحب أو نكره شخص دون معرفة السبب، نبحث بأعماقنا لكننا لا نجد شيء على الإطلاق، من أين أتت هذه المشاعر؟ ليس من العدم، ربما هذا الشخص ملامحه تشبه شخص آخر أحبه مثلًا، فتنتقل المحبه له وانا لا أشعر بذلك، او ربما قال كلمة تذكرني بأمور سيئة فأكرهه، وانا لا أعي تلك الأمور، لأنها ترسبت في اللاشعور مع مرور الزمن، المشاعر تنشأ عندما يلامس الطرف الآخر شيء بداخلنا، سواءً كان إيجابي أو سلبي، وبالغالب لا نعي تلك الأمور، لا يوجد شيء دون سبب.

نتعجب عندما نرى إنسان مليء بالخير أو بالشر، نتساءل من أين مصدر هذه الأفعال؟ هي خليط بين البيئة والوراثة، وفي مرحلة الطفولة تتكون عند الطفل القيم والعادات والضمير، الطفل كائن حساس يجذب كل شيء لأعماقه ويلاحظ أمور نغفل عنها، وعندما نشبع حاجاته لمستوى مبالغ به أعلى من اللازم أو العكس نهملها بشكل كبير، يبقى الأثر ويتضخم كلما تقدم بالعمر، ويخلق العُقد النفسية المنتشرة بشكلٍ فظيع!

الأفكار هي مترسبة بداخلنا.

هذه المجتمعات والتحضر المدني لم تنشأ هكذا إعتباطًا، بل لكثرة الحاجات الإنسانية وقلة الموارد، وهكذا نشأت الأسواق ومفهوم النقود، وجد الإنسان نفسه محاط بالكثير من الحاجات التي يريد تلبيتها، وتحتاج الكثير من الجهد والوقت، عندها نشأت المجتمعات التي توفر الكثير من الحاجات بوقت وجهد أقل.

العنصرية والطائفية وأمراض المجتمع بالغالب يُغذى بها الفرد مُنذ نعومة أظافره، أو هي نقص داخلي يوجه العدوان نحو الطرف الآخر ليثبت كماله المتهالك.

الثورة تأتي من شحن خارجي أو إنفجار الوعي الداخلي.

اللاشيء هو فقط ما يأتي من العدم، وأعني بذلك العدم المطلق الذي يكون دون سبب مباشر او غير مباشر، بعيد او قريب، سواءً عرفنا بذلك او جهلنا.

هناك 8 تعليقات:

  1. مُلهم جداً يا صديقي ..

    بالإضافة إلى ما تقول أعتقد بأن العدم هو وصف مبالغ لـ المجهول، هو أمر لا نستطيع إثباته ولكن موجود!!
    الفلاسفة أو أي إنسان عاديّ قد يدور بحلقة مفرغة، من دون نتيجة، فلا يستطيع إقتفاء أثر سلسلة أو الحصول على جواب معين، لأن المعطيات خاطئة ! أو خطوة البحث الأولى غير صائبة .

    الروح أبسط مثال وأصعب ما يمكن تحليله أو وصف تكوينه، فمن يستطيع إيجاد هذا الشيء و وهبه، ومن ثم نزعه ؟
    الروح لا تستطيع برهنت وجودها إلا من خلال وجود الجسد، الذي يتجاوب حسب العادة ومن غير تأكيد لنوع الأفعال أو ردود الفعل .

    هذه أفكاري وما تبادر إلى ذهني من هذا المقال الرائع.
    إمتناني ..

    فيصل الشمّري

    ردحذف
  2. العدم عجز وقصور على استيعاب عظمة الخالق ، العدم ذلك الظلام الذي لم يُنيره آي القرآن في عقل أحدهم ، العدم شيء لا يُعاني منه مؤمن بالله ومتحسس لقلبه ، حتى ذلك الذي يُنكر وجود موجد لهذا الكون يوخزه قلبه وقد يزل لسانه بترديد الإله ، أعيينا التي ترتفع للأعلى مع كل وخزة ألم لا تفعل ذلك للعدم ، الضيق الذي ينتهي بتنهيدة مختومة بـ يالله لم تردد عدماً ، العدم الحقيقي أن نُعطى كل الحقائق ونُغمض أعيننا عنها متأملين فلاسفة الانكار والثرثرة نحن اللذين تجاوزناهم بمئات الاف السنين والمعرفة وهم الذين لا زالوا يصنعون استفهامات الوجود والأسئلة ، أثرت موضوعاً عميقاً أيها الرائع ، كل التوفيق لفكرك وحرفك . هدى

    ردحذف
  3. لن أشير بحرفي للعدم فأنا لا ألمحهُ في الحياة لا و لا في الموت !
    و بالعودة لمقالك السخي .. فـ حرفُك توسد فلسفة ً هادئة وهي
    تتحدث عن صخبٍ أصاب فلاسفه باحثون عن عدم ٍأصم وآبكم
    في مخيلتهم وهم بالمحصلة يسمعونه وينصتون له !!
    فهم كمن أدلىٰ دلوه ليستخرجوا العطش من السراب ..
    أجدت يا صديقي ..

    ردحذف
  4. ارتوت غاياتي الغامضه و الاتيه من العدم و عمقك الفكري جداً يأخذ الاهتمام لذالك شكراً و اتمنى ان اقراء لك كثيراً .

    ردحذف
  5. جميل ما كتبت
    وفعلاً لكل شيء سبب واتى من سبب ليس من العدم

    استمر .،.

    ردحذف
  6. وكأني أقول ..
    انا كُنت من الأزل ، وها أنا ذا ، سأكون إلى أخر الدهر ، وليس لكياني انقضاء .
    سبحتُ في فضاء اللانهائية ، وطرتٕ في عالم الخيال ، واقتربتُ من دائرة النور الأعلى ، وها أنا الأن سجين المادة
    قال تعالى :-
    " وكنتم امواتاً فأحياكم ثُم يُميتكم ثُم يُحييكم ثُم إليه ترجعون"



    كُل شيء خلق لشيء ، واقوالنا وافعالنا وايماننا يوضح أن لكل شيءٍ سبب
    "ولا شيء من العدم"

    ابدعت اوكتافيو


    .

    ''' هيام العواملة '''



    ردحذف
  7. أرى شيءٌ من الجمالِ قد إتسع .

    جميلٌ جدًا ،،

    سُلطان .

    ردحذف
  8. لا شيء ياتي من العدم

    ردحذف