الخميس، 12 نوفمبر 2015

إنسان

إنسان


(٠)

رسالة لله


باسمك البداية والنهاية ،،

سيدي أتحسس الطريق ببصيرتي، بصري ضعُف منذ سنين، ولا أعلم مدى بصيرتي، فنحن لا نمتلك أجهزة تقيس حدة بصيرتنا، ربما بالمستقبل سيخترع حفيدي هذا الجهاز، نحن الآن نقيس بصيرة الآخرين بطريقة يدوية سهلة، كل من يخالف معتقداتنا وعباداتنا، فهو أعمى البصيرة، وقد ضل سواء السبيل.

رباه! كلما ظننت بأني أعتصمت بحبلك، أجدني حيث لا أعلم، تائه، مليء بالوجهة، خالٍ من الطرقات، أحدّق بالزمن، أرتجف خوفًا، أتدثر الحياة علّٓ خوفي يهدأ، تزداد وحدتي، وجهلي بالحياة، كلما إتسع الطريق وضاق صدري.

لست من الصالحين، ولا أنوي أن أكون منهم، لكنني -يالله- أحملك بقلبي أنى اتجهت.

اليوم قد حلمت حلم غريب، كنت أخوض حربًا باسمك، -وما أكثر هذه الحروب، كل الأطراف تدّعي ذلك- انتهيت منتصرًا، نجوّت بإعجوبة، مهمتي انتهت، وطلبت مني تسليم روحي لك، وهذا ما فعلت، مشيت، وشعرت بخفة عجيبة جميلة، فتحت يداي، وسلمت الأمانة لك، روحي، وكياني.

رباه! انا ذو شكٍ عظيم، ولا أُجيد إتباع الأولين، أجرجر بقايا يقيني، أقترب من بابك، أنزع تشردي، وألملم هروبي، أنصت للسماء، للمآذن والنواقيس، أتمسك بعروة الدعاء، أخشع لك بصوتي الذي وهبتني إياه، وأصل للعالم الأسمى، بعيد عن دنيا الشتات.

لم أعد أخشى الموت، ربما هو الجسر الممتد من العدم الواصل لك، بسدرة المنتهى، الموت هو الأمر الوحيد الذي لا اختيار به، ونحن نخشى الإختيار.

انا المحفوف بالصمت، ما حاجتي للغة، كي أوصل المعنى لخالق اللغة، والمطلق الوحيد، والمعنى.


(١)

الحياة عصيّة على الفهم، كل ما أمتلكه خُطاي، أُسابق الزمن، ويُخيفني بسرعته، لدرجة إني لا أستطيع الوقوف ولا الحراك، أترنح كأنني قصيدة نحتها الظلام والربكة، الآن أحاول الكتابة كي أتحسس الزمن الضبابي، وأحاصره بطوق من سراب، أنا الإنسان وبداخلي بيادق الوعي تود الهجوم، لكن الوجهة تمنعها، لأنها لم تُخلق بعد

هل نحن مجرد حكاية؟ وقصة تُغذي ذكريات أحفادنا، كي تُنير دربهم وليلهم الطويل، ويمجدوننا كأسطورة، ونُتخذ قدوة، والله أعلم هل هي حسنة أم الأحفاد حسنوها كي تتماشى مع مثالية الذين مضوا، ويصيح حفيدي الأحمق: "الله يرحم أيامك يا جدي" 


(٢)

لا أعلم كم من الوقت مضى على آخر لقاء لنا، كل ما أعلمه الآن، ان القدر فرق بيننا، يا صديقي انا ابتعدت عن الأرض التي يسمونها "مسقط الرأس" وانت كذلك على ما يبدو، الآن سأكتب لك الرسائل بشكلٍ تقليدي، ورقة وقلم، واسمي بآخر الورقة، وتوقيعي بقربه، بالطبع ليس توقيعي البنكي، كما تعلم، انعدمت الثقة قبل أن تُوجد.

أكتب إليكَ الآن، والجبال تُحيط بي، انا ابن الساحل الذي يحمله معه أنى رحل وإرتحل، أفتقد البحر كثيرًا، أشتاق لموجه الغاضب، لرائحته التي تذكرني برائحة أنفاس الكون، أقمت علاقات جديدة مع الطبيعة، هنا حيث الجبال التي اتأملها من نافذة غرفتي، والأمطار التي تعكر صفو الكهرباء لتتعطل وتتأمل المطر معنا، معنا نحن البشر، وكأنها تصرخ بمُلئ أسلاكها: انا مثلكم بهذا الوجود وجود.

لا تخشى علي من تغير البيئة، فانا إنسان، والإنسان يتكيف بطبعه.

لا زلت اتأمل الطبيعة، والبشر، ونفسي، وكل يوم تزداد دهشتي، حيرتي، وتزداد ثورتي ورفضي اللذان تعرفهما، ومعاركي ضد الوجود لا زالت قائمة، بين كرٍ وفر، والنتيجة غامضة، عصيّة عن الفهم، كالوجود تمامًا.

أحمل أفكاري، وهي كما كانت، حزمة تناقضات متباينة، بها الشك واليقين، وقلبي متصوف، قديس بملامح زنديق، وعقلي متمرد ضد السكون والمعايير الباهته التي لم يأكل من الدهر لأنها بالية جدًا.

الغربة، هي ضرورية كما يبدو، توسع مدارك الإنسان، ومنظوره الضيق، تبرز ذاته كما هي، دون زخرف التراث العائلي، والاسم، او الإنتماء للبقعة التي أنجبته، هنا حيث تختلف أحلام الناس، ومخاوفهم، وطريقة معالجتهم للأمور، كيفية تعاملهم مع الأفكار، حيث تختلف المعايير، والمعايير كما تعلم، هي التي يبني عليها الإنسان أفعاله وأقواله، وضميره أمام الله ونفسه، هنا حيث تتضخم وتتضح نسبية المعايير أمام عقلي، ونسبية الجمال كذلك، ولا أنسى نسبية التغذية، التي يستاء منها الجسد بعد الإعتياد على عادات أكلية منذ طفولته.

عندما أرفع رأسي بالليل وأرى السماء، أشعر بالوحشة، ببعد المسافات، تنكمش روحي حتى تقترب للتلاشي، النجوم أكثر من المعتاد، بهذه السماء اكتشفت كمية الرعب بالعواصف الرعدية التي تضرب الأرض غاضبة.

محاط بالكثير من الكتب، أتنقل بين أعماق الفلسفة المظلمة بشكل مضيء، لعقد الروايات وحبكاتها المدهشة، للشعر وإتزان أحرفه، وضياع منطقيته، هو درعي ضد الوجود، ضد الوحشة والضياع، به مشاعر البشرية وحيرتها الموسيقيه التي تطرب أوتار صدري، وتنبش مابه، ليتضخم بشكل مرئي لذوي القلوب الثاقبة.

كما تعلم سجيتي لم تتغير، فانا اجتماعي مُنعزل، أخالط البشر من كل صنف، ثم أهرب من الجميع باحثًا عن نفسي، بين صفحات كتاب، وأصعد السلم الموسيقى وأهبط سريعًا، علّني أجدني هناك، لكنني أسكن ذاتي، وكل السماواتِ.

الذكريات هي هوية الإنسان، ووقود مصباح الحياة، هذا الكهف الأبدي للجسد والروح، بدونها هو لا شيء، شبح، كالحجر، وأضل سبيلا ...

الآن اشتدت أصوات الرعد، عاصفة تلقي التحية على ما يبدو، بطبيعة الحال، انقطعت الكهرباء، لذلك انا مضطر لترك هذه الرسالة فجأة، دون إتمامها، كالعمر الذي ينطفئ فجأة، إنطفأت الكهرباء، سأذهب لأشتم الكهرباء والأسلاك مع أبناء جيراني، هذا هو واجبي والخيار الوحيد.

مع التحية ،،،



(٣)

مفهومي انا للحياة ...


انا محارب، لا أعلم من أي طراز، عدوي وحليفي الوحيد، هو الوجود، سأكذب إن قلت بأني أمتلك مفهوم ثابت للحياة، نسبية الحياة، المعايير، المفاهيم، جعلتني لا أؤمن بأي شيء ثابت، عدا الله، المطلق الوحيد بهذا الوجود، ولا أعني الله المسلمين أو المسيحيين أو اليهود، أو غيرهم، أعني الله الذي يلم كل القلوب، لا يكترث للأسماء، للمذاهب، بالزخرف هذا الذي يقاتل عليه البشر، وجه الله الذي بكل مكان، بمسوح الزنادقه، وشتائم السكارى.

مفهومي للحياة نسبي، ومتغير، كمزاجي مثلي تمامًا، كل ماتقدمت بالعمر، بالترحال، أرى البشر، الطبيعة، يتغير فيَّ الكثير، أضع كل مسلماتي ومفاهيمي الفلسفية على طاولة النقاش، دون حكم مسبق، أُغير كل الخطط الوجوديه التي وضعتها، وأصيغها من جديد، روحي اكتسبت لياقة جيدة، لتحمل كل هذا، وإن كانت في بعض الأحيان تمر بمطبات وحفر وجوديه، أجد صعوبة بالخروج منها، أتحسس المعنى، أترقب الغاية، أنصت للعزف، أحاول معرفة السلم الموسيقي للحياة، أفهمه جيدًا، أستخرج منه المعنى، بتأويل، ورؤيا، لا أعلم مدى صحتها، بهذه النسبية، حيث لا ثبات، لا حزام أمان، حادث بسيط يمزقني أشلاء، دماء بكل مكان، وأقف ضاحكًا، باحثًا عني ذاتي، لأعيد تركيبها بما تبقى مني.

 أراقب الوجود، وانا مستلقي بزاوية بعيدة، أبحث عن المعاني، برؤوس البشر، بحفيف الشجر، البحر محمل بالمعاني.

ببعض الأحيان، أحسد البشر، كيف يندمجون بهذه العاصفة، الحياة، بكل سلاسة دون سؤال، يغرقون بمتابعة فريق كرة قدم، أو تكوين أسرة، جمع مال، أو مطاردة سلع، دون وضع استفهام! 


يضع الإنسان أهداف وأحلام مستحيلة التحقيق، لأنها إن تحققت سيبقى بلا هدف، بلا غاية، تائه بالوجود


(٤)

لي أمنيةٌ 

أن أحتوي الكون كالهواء، أحيط به علما

وأن أصبح بحار أركب الموج، ولا أؤمن بأي مرساة

وأطير بحثًا عن جزيرة لم تُخلق إلا ببوح أوهامي

وأن أصبح فيلسوف وعى بالحقيقة، دون أن يعتزل الناس، ويعزف الناي، وروحه لم تغرق بلجة الحزن، ولم يتخذ العبث سترا

وأن أصبح كاتب، أكتب لنفسي، باحثًا عن ذاتي، ألملم حيرتها، دون أن أكتب "ما يطلبه المستمعون" 

وأن أعيش ما تبقى من عمري رحال، دون استقرار

وأن أرسم العالم الذي بداخلي، بريشة ملهم مبدع، مع خلط الألوان، وأمزج كل الحقائق، والتناقضات المجتمعة بالخفاء

وأن أتصوّف وانا ذو شكٍ عظيم، لذلك أبتعد عن تكية الدراويش، وأحيا بين كل الطبقات ولكلها أحيا، دون ان أخضع وأستسلم، أعيش بذاتي، وذاتي الكون وعرض الوجود

أن أصيغ أحلامي، وأرقي، وأتحسس الليل وتهويداته الراقصة

لي أمنيةٌ

أن أكون
وأحيا

انا


(٥)

كنت أداري خوفي منذ سنين، أحاول إخفاءه عن الآخرين، انا أقوى من الخوف! 

يتملكني الرعب من الزمن، أخشاه بكل إنسانيتي، بكل وعيي وإدراكي

الزمن غامض جدًا، عصي على الفهم، أضخم منا

هل أنا واقف وهو يلهث، أم انا ألهث وهو يحدق بي

عندما أدرك سرعة الأيام، والأسابيع والسنين، يتملكني خوف شديد، ربما هو صوت غريزة البقاء، والخوف من الفناء، أعلم بأنني إنسان، والإنسان كائن فاني غير خالد، لكن أنى لهذا الخوف أن يرحل؟

هذا الزمن، تمر أحداثه كلمحة، لم ألتفت إلا تلاشت وتبخرت

هذا الزمن يحولنا لذكريات برؤوس البشر، ربما يكتبنا شخص على حين شوق، يكتبنا ليتذكر نفسه معنا

هذا البعد الرابع الخفي، هل سنتحكم به، ونسير على ظهره، ونراه جلي أمامنا؟ 


(٦)

وما الزمان إلا خط لم يكتمل رسمه، تنزف ريشة الحاضر ليهرول الخط نحو الغاية، وما الكون إلا قصيدة تتمدد للأبد، وحياتنا رواية نجهل حبكتها وكل العقد، نسير بحثًا عن المعنى، بملامح الشخصيات والأماكن، نشتاق دومًا للنهاية، ونتحرق لإعادة البداية المستحيلة

وما خطواتنا إلا أهداف يتسع مداها كلما فاحت  رائحة العمر الذي يحترق بيدنا كسيجارة سندفنها بالأرض عندما ننتهي منها، لكن بندم!


(٧)

ليت شعري ما المصير؟

تمشي بنا الدنيا. بلا هوان، أو خارطة نهتدي بها للطريق ...  ما الطريق؟!

كلٌ يدعي حقا، والحق راحلٌ أبدا، غامض الملامح، لا يتبسم أو يحزن، جامد كالموت

طائرٌ لا يبتغي الأرض، جناحاه خذلاه، يلامس الأرض، كالجحيم يبحث عن خلاص منه، للهواء، للسماء، بالجناح الذي أنهكته المسافات والزمن

يمشي بغابة دون أشجار، أرهقته وحدة روحه بين اللاشيء، تحدق عيناه بالعتمة، يضحك .. يضحك لأنه لم يجد بئر يرمي به دلوه ليغرف من قانون السببية، لذلك يضحك بلا سبب، بلا أمل، يستخرج العطش من الصحراء، يتجرعه على مهل، الجفاف يكره العجلة لأنها من الشيطان، وهو منه


(٨)

اتهموني بسرقة يدي

لست انا السارق وحق الذي يجري دمائي فيَّ

كل ما في الأمر، انني كنت واقف، والليل يمشي على مهل، ساقاي نهشهما الظلام، عندما كنت راكض أتحسس الخلاص

جسدي لم يعد يقوى الدفاع، سقطت وحيدًا، بين أشواك، والعتمة تحدق بروحي، ليت أمي الأرض ساندتني، أرسلت شوكها، عقاب لأبنها العاق جدًا

رأيت كفي تضحي لأجلي، كدرع تصدت للأرض، للشوك، للعتمة، نزفت كثيرًا، لا أعلم لمَ، كل ما فعلت، انني رفعت رأسي، والسماء تثقب ما تبقى مني بنظراتها، لم يكن لدي إلا التأمل، والكثير من الاستسلام، لكنني حملت كفي التي قطعت، ولم أنسى الشوك، مشيت سريعًا، والآن أيها القاضي، وهيئة المحلفين، هاكم يدي التي حملتها، اقطعوها مرة أخرى، فإن السماء أرسلت إشاراتها، فانا السارق والمسروق، والله جعلني خليفة بهذه الأرض، لأنني لست ملاك بالسماء بلا خطايا، إنسان، هذا كل ما بالأمر ... كل ما بالأمر


(٩)

انني أغرق
أغرق

تحملني أكف العزف للحلم، تحلق بي أسفل الأرض، بين أرواح الذين مضوا دون أن يرفعوا أكف الوداع، ولا الدعاء، ولا الشتائم حتى

وأدنو للهواء أراقصه، أراقب حركاته، أجاريه وينهكني، ثم يندمج بصدري للأبد، للأبدً

أسمع همسات صوتها المبحوح، لا أفهم معاني هذه الحنجرة، أرى الدمع يعلو رأسًا للسماء، لمَ لا يسقط!

أرى الزمن سلسلة، لا أُميز بدايتها ولا نهايتها، دائرة مُفرغة، زواياها حادة بشكل غامض

أشعر بخفة بروحي، كأن يد الموت المحتم انتشلتها، لم أعد أشعر بجسدي المادي

هل الحياة حلم عنيد، نحسبه طويل جدًا، وعندما نستيقظ ونحكيه للآخرين لا تتجاوز  الحكاية خمس دقائق

الوعي يقلص الزمن، يبتلع الساعات، يصفي الوهم

اتأمل أنفاسي، أنى لها الصمود كل هذه السنين؟! وهذا الجسد ذو المطالب التي لا تنتهي، حتى بعد رحيلي منه!

محموم بالاسئلة، وهذا العمر لا يسع استفهامات الروح


••••

(٠)

اللهم أرني حقيقة الأشياء كما هي

الأحد، 27 سبتمبر 2015

أوتار الروح


ضجيج وثورة برأسي، لذلك فتحت مذكرات هاتفي المتطور جدًا وبدأت أكتب.

أتيت حامل معي رؤياي، وأوهامي التي أسقيها بروحي، حامل حلمي الذي تخثر، مجرى عروقه إشارة مرور حمراء، ومعتقلٌ بلا أسرى، بل بضحايا كلهم صرعى.

غابرٌ أتيت سحيق كالزمن، أخبئ مخاوفي، أداريها، أرسم ملامحها كلما دق عقرب الساعة، أخشى ضياعها؛ لأنهُ ضياع إنسانيتي.

زوبعة، أفكارٌ تنطح أفكار، أسير حامل بيدي شكٌ لا ينكسر، قلقٌ فِكري، وأرق وعين جففها الأمل، أبحث عن بئر مطمئن الماء، أرمي به دلو محشو "بفكرة" لتغتال الجمود، وكل هذا الركود العالق بحبال ممتد من الماء للماء.

تساؤل خجل، لمَ نحاول قراءة الحياة؟ فلنحاول كتابتها، رسمها.

أراني أسير، بطريق دون جاذبية، وإن صح التعبير، أطير، حول غبار المجرات، أتدثر الإستفهامات، هي تنمو كلما زادت خُطاي، أحاول التمسك بيديك، كأنها الخيط الواصل للوجود، مني انا ذلك العدم المتحرك، أطير، أطير، باحثًا عن عينيك، عن اليقين الذي ينبض بصدري، بكل خشوع أرتل معزوفة العمرِ.

متأمل، للسماء، لهذا المطر، لهذه العواصف، والبرق الذي اتكأ على وحدتي، وضحكات الأطفال، وغمزة أم (لا تخبرهم سر الحياة، لاتغتال ضحكاتهم) دهشة الأطفال، تساؤلاتهم الأبدية، مفهوم الحياة الذي لم يمسسه غبار وأوساخ، الحياة موت للطفلِ، والموت حياة للكهلِ.

محور الكون عند الإنسان يتشكل ويتسع على حجم منظوره للوجود، إتساع حدقة وعيه، وربما ضيق افقه الوهمي، الذي يؤدي به للغرق بحدوده.

الأنثى، كالأرض، هي أمنا الوفية جدًا، تلدنا من رحمها الطاهر، وتدفننا بأرضها المقدسة، ترعى الهواء لنتنفس، وترعى التراب لتغتال وجودنا.


***

موج البحر يضج بداخلي، يستفزني، يلومني، أسير وحيد بقربه، خالي من كل شيء، كل موجة هي نداء يشير للأبدية، تمر بخاطري الإنسانية وهذه الأرواح التائهة، مثلي ربما، وأتساءل لمَ كل هذا الميل للطبيعة، الإندماج بها حد التلاشي، نحن أبناء المدن اغتلنا الطبيعة واتخذنا الإسمنت سترا، مع ذلك نهرب ونلجأ للطبيعة، هل الموسيقى جزء من الطبيعة! تساءل غريب ربما، كل هذا التأثير والعزف الذي يخترق الروح، يجب أن يكون من الطبيعة

***

 مفهوم الحياة لدى الآخرين كثير ما يؤرقني، بداخل كل رأس حياة مختلفة، أحب التعمق بهذه الرؤوس والإستكشاف، لأرى العجب، وأتأكد بأنني من كوكب آخر، المفاهيم الأساسية وكيفية تشكيل القناعات، وبناء هرم من المسلمات، شيء معقد جدا، وسهل عفوي! مفاهيم الدين، الحب، الزواج، العمل، الخوف، عجيبة! أقوى عامل مؤثر، هو ملعقة الذهب، والملعقة التي أكلها الصدء، أتحدث عند بداية حياة الشخص، هنالك فعلا ملعقة ذهب توضع بالفم والآخر ملعقة صدءة جدا، وهي تحدد مسار تشكيل المفاهيم الأساسية، العامل الإقتصادي، يشكل حتى الطموحات والأحلام، والحدود، ويتكون مفهوم الإنسان عن هذا الوجود بهذا العامل، الإنخراط بين البشر من كل الأصناف، وتكوين خريطة فلسفية غير مرئية، يمكنك من رسم ملامح الوجود بوضوع غامض، ريشتك تعرف اللوحة، وعينك متعجبة! حدود وجود كل إنسان، شيء محير، لكل إنسان حدود وجوديه، حد وهمي، تشكله التقاليد، الأعراف، العلم، نظرته للحياة والإنسان والكون،  يارب أوسع حدود وجودنا

***

توسدت قلبي، هزني نبضي، وهذه الثوان والأيام التي تسير دون ملامح واضحة، أو خريطة مرسومة، مالي ومال ًالطريق، وهذا الترحال الأبدي، انا الروح الغارقة بهذا الوجود، الباحثة عن الهدى، المتعطشة جدًا لخبز اليقين، انا ذلك البشري، التائه بين خلايا التاريخ، ملايين من الخلايا كالجسد، هذا هو التاريخ بضحاياه وأبطاله والمنسيين، خلايا، يتساقط الكثير منها، ويولد الأكثر، وكأنها تسير بدائرة الحتمية، أو تاج من ورود لا تذبل، قلبي معزوفة ينمو بصدرها نص بلا تأويل، وحكايا وكثير من الضحايا، أنى لهذا الظل أن يسع الكون وما علاه، رباه! أنى لهذه العدالة تحيد عن الطريق، الحب .. يارب ما الحب؟ كيف نتلاشى وكأننا ضحايا وباء اجتاح مدينة بأسوار منيعة! رباه! الحرب الحرب الحرب، تلتهمنا، تسير بهذه البشرية للهاوية، الوعي: حلمنا المفقود وندّعي بأننا نملكه، لكننا نسينا بأن آدم قد دفنه بالفردوس قبل أن ينزل لهذه الأرض، حواء لم تكن تدري، أو ربما أغمضت عيناها برضا، راضية مرضية كأنفسنا التي ستعود


***

أشعر بوحدة الكون، بغربة النجم بالفضاء، بعتمة السماء

إختناق يعتريني

بيادق من ظلام تنهش بروحي، وحشة تغزو صدري

كم مضى، من العمرِ؟ لست أدري
كم تبقى من الليلِ؟ لست أدري

كأنّ جسدي غفى ألف عام، واستيقظ وعيناه مليئة بالوعي، بالمطر، ما لهذا القمر! يقف هكذا كالصنم، اضرب بضوءك كل هذا الظلام، والوحشة، والوحدة

***

مسكت قلمي الأحمر والموت يلثمني على عجلٍ: هبني ترف الرثاء، وكفّني بالعتمة، فالصبح بعيد، والليل سبعون عجاف، دعنا نقف على شباك الأنبياء، ونقرأ سِفر التكوين ونضرب الدهر لينقسم نصفين، فيغرق المعنى، ويزورنا وعيٌ، يمسح بيديه على عقولنا، أود تأويل نص الرياح، لكن قلق الرواة يُربكني، فتهتز روحي، وتثبّتها ملائكة بأجنحة لطالما عانقت الدعاء، ياربي سجدتُ كثيرًا، لكنني سهوت عن الشكرِ، لستُ بزنديق ولا قديس، انا الإنسان لي رئة ولسان، وكثيرٌ من الزلات والويلات لي، انا الذي جعل الزمان يعض على شفتيه ندمًا، وجرح التاريخ لم يلتئم بعد، فقط حملت سيفي وداعبت شريان أحداث لم تنتهي، ولم تبدأ بعد، عينايَ لم تعد ترى، إلا السراب وما انطوى، سألت الحلم متى سينتهي هذا الأرق؟ متى سأستيقظ وأرها جلية أمام عيني؟ أزاح الأرق الغيم عن عينيه وهمس لي: الموت أيها الإنسان، هو ينبوع الحقيقة والسلام، سلام أبدي جلي، ستراه ببصر من حديد، سينصهر الزيف، وتنفذ رصاصات الضباب، ستلمح الحزن يغلق دكانه وهو حزين، وهل للحزنِ حزنُ! تساؤل كئيب، لا تلقي له بالًا، أنظر هناك للزواية الدائرية، هؤلاء شعراء صُلبُ على قافية فقدت توازنها حتى تمردت، أنظر هناك حيث الحشود، هذه سوق آلات الكلام، كثيرةٌ هيَ، سلسلة لا تنتهي مصنوعة من حنجرات من نحاس،. ورؤوس لا تبتغي غير الشعر وتاج من تراب.

يقلبني الدمع ذاتَ اليمين وذات الشمال، لبثت ألف غصة وندبتين، لم أمتلك أملًا لشراء بعض سنين، لأروي عطش اليقين، لأمسح الغبار من على وجود هش الخلايا، خجل الوجنتين، لأرى الفرق بين جرائم الحرب، وجرائم الحب! لأسافر للوعود التي لم تصل، وأسأل لمَ التأخير وعمر الإنسان في الدنيا قصير، لا يحتمل الصبر والإنتظار، كلمح البصر ينتهي العمر، وانا عالق بين تحقيق وعد وحلم

***

كن العاصفة والتيار، اصنع دربك ولا تتنظر كثيرًا، فالعمر شهاب سريع، يضيء وينطفئ كلمح البصر

الاثنين، 8 يونيو 2015

رائحة الياسمين


(٠)
اقرأ ببطء وعلى مهل، لا تتعجل فالحرف لن يحرق عينيك، العمر يمضي وهو واحد، وهذا الوقت لن يعود، تأمل حتى تستطيع إخماد نار البحر، كي لا ترى الجبال كل هذا الدخان الكثيف، وتفضح السر الذي فر من موجة شاطئ بريء، وكفَّ عن التأويل، المعنى بصدري متشبث به لن يسرقه هواء، ولن تراه؛ لذلك امعن النظر كثيرًا، لعلّك تشم عطرًا من سراب، وبقايا فكر تآكل من قهر الزمان، وأنظمة تولّد الفوضى بإبتسامة صفراء يعلوها ذهب يُفنى لأجله كل تراب وما عليه .. المقدمات تأخرنا لا تقدمنا، فلتمت هذه القدمة التي لا تنتهي.

(١)
في هذه المدينة لا يُسمع للأبواب صوت، قفوا مهلًا! لاتدخلوها من هذه الأبواب وأنتم آمنين، أنظر هناك للشارع الممتد من الحزنِ الى الحزن، تأمل هذه العراقة وكل أنواع الحضارة، ورائحة التاريخ، وعبق السنين، الآن أنت تقف على أشلاءها، كلها دُفنت، وماتبقى رماد وبعض سراب، لا تقف هكذا! فللتاريخ والأموات احترام، لا نطأهم بأرجلنا، بل نحملهم على كاهلنا، بكل رشاقة، يتسرب من كذاكرة لا تنضب، كتراث مفكر عظيم، او فيلسوف حطم العادات والأنظمة، ثم حطموا جسده، ليمجدوا أفكاره العظيمة، مدينة يصقلها الضباب، وعزفها آهات حنجرة مثقوبة هجرها الهواء، وشعبها أسطورة فيلسوف مشبّع بالوعي وأقنعة الخيال، أعينهم أغشاها السراب، لا الأنهار تأتي ولا المطر، غارقه بالسيول والظمأ، جفاف بصدر الورد ولسان ذلك الناي المتآكل.

(٢)
التاريخ هو رائحة الهوية، نعود لأزقته لنعانق الإنسان، ونتفقد ملامحه بكل ما أوتينا من حواس، لنرى من رسم الحدود، لنبكي كثيرا، ونعي أكثر مما يجب، لنرى الأجداد، ومن سرق ملح البلاد، ولمَ هذا الساحل لم يهدأ منذ آلاف السنين؟ هل يذكرنا أم يعذبنا؟ هذه الأرض المشبعة بنا، التي نحرثها بأرجلنا كل يوم، أو بإطارات السيارات ومدافع من نار يخترق الأجساد وما عليها، هل تشكو الأرض؟ وهي أولى منا، هل ترى جدي الذي مات ليحرث هذه الأرض يعلم بإننا سنغرق بالماديات والشكليات؟ بعيد عن كل غاية، اغتلنا الغاية ومسخنا الوسائل، غارقين بملاحقه السلع التي لا نريدها، لكنها تريد أموالنا ووقتنا، نسير بلا هدى كأعمى غرق بمحيط تحرقه الشمس، أصبح الإنسان "شيء" لا كيان له، نخضعه لقوانين السلوك الحتمية، نستعمله كما نشاء، ونتخلص منه بأرخص طريقة بعد الانتهاء منه.
على ضفاف مدينتنا، وجدت الغربة مسبية!

(٣)
للعشقِ تحيةٌ وألفُ سلام، هو روح المبدعين، ولوحة الجنون التي تخترق كل التناقضات، وارتباكة ريشة فنان على لوح ليس أبيض كما يبدو، وتساؤل شاعر، من يلد من؟ القصيدة أم انا! هنا يتلاشى المنطق، لخلق منطق جديد، أو ربما نص عتيق نزفته الآن بقلمي بعد سقوط الكثير من المطر والمنطق، والأكثر مني! 
أنا المختبئ بذاكرة الأبدية، لن أموت. ولن تراني!
ربما الحياة ليست عادلة بما يكفي، لتخلق لقاء، لتُبدِع كونًا آخر، ليس فيه سوانا، دون ألف مستحيل، وهدنةٌ واحدة، 
نبضات قلبي لا أعلم لم تتبعثر بهذا الشكل العبثي، كخلايا مفكر وجودي إتخذ العبث ستر مُعرى، لا إنتظام ولا أمام.
الآن أكتب إليك والظلام ينهش بأضلعي، كذئب مفترس، أشتاقك كثيرًا، وددت اغتيال النوم الذي سرقك مني، أشعر بالوحدة، مليء بالوحدة، والشعور بالوحشة، وكأنني آخر من تبقى على وجه الأرض، كل من عداكِ أشباح، أشباح أشباح.
أنتِ السماء وخيوط الأجوبة التي تبحث عن سؤال بين صدري والحياة وقبري وعيناكِ
تختنق الحياة بصدري، يضعف نبضي قلبي، عندما أعلم بأنني سبب الحزن المتراكم بصدرك.
أرجوكِ، أرجوكِ، أنقذيني، ضميني لصدركِ لتبثي الحياة بصدري، ويَزهر قلبي، أنتِ أنفاسي وحلمي وحياتي.
انتِ قافيتي، وأوزان شعري، وموسيقارة النبض، بإشارة منكِ أو ربما تكفي نظرة، لتبعثر كل شيء، أو تعيد النظام أفضل مما كان، انتِ وطني ومنفاي، ونشتاق للمنفى كما الشوق للأوطان، ربما لا نحمل جنسية أو جواز سفر، لكننا أقرب من كل المواطنين، وكل الأوردة والشرايين.
صومعتي، وحدتي، عزلتي التي كانت أبدية إلى أن رأيتك تخترقين قلبي وانا عاجز عن الحراك، عن الدفاع، عن فعل أي شيء غير الاستسلام والذوبان بكِ، كنت لا أريد الخروج من ذاتي، هكذا لا أحد يعرفني، أو يراني، أعيش حياتي بفكري، فيلسوف لا ينعطف عن فكرة، وفجأة وقع بالحب والعاطفة! ثوري بملامح مسالم، أهوى الحروب والإنقلابات، لا أحمل سلاح، لكني أحمل رفضي، وكل (لاءات) العالم.

(٤)
وحيد كان بالصحراء، يقاتل المنفى وسجنٍ بلا أسوار، وبوصلته عاصفة اليقين، بصدرٍ تآكل من شدة الصمت والعطش، قديس، صومعته الكون بلا حدود، يغتال وحدته، يناجي الأشجار وكل نجمٍ أدمن الأرق، ليغفو برمال همشها الزمن، ويحلم بأن الأعماق قد زارها ضوء شمسٍ أو قمر، وربما فجرُ وعيٍ وشروق جديد أرسله الأمل، لن ينتهي حلمه، فهو غارق بعالم بعيد جدًا، لن يعود، ترك جسده الهش، ورحل بروحه، لعالم أسمى.

(٥)
الى القمر وكل ضوء المطر:
ما لكَ تقف محايد لهذه الدرجه وكأنك شبح لا يبث الحياة، تعلو السماء شامخ لا تعانق أجسادنا إلا عن طريق شعاع من بقايا شمس راحله، تراقب الأيام، وهي تنحني للزمن، يومًا بعد يوم، كنت معي بطفولتي، بذاك الليل الطويل، بغربتي عن هويتي التي أحملها، عندما كنت مشبّع بالأرق، لم تمدَ يدك لتحدث التغيير، انا الذي أخبئ أحلامي وتناقضاتي، انا مثلك تمامًا، لستُ كما أبدو عليه، مثلك! يا من ألهمتني الظلام والنور، والاستقرار والفرار، انت الذي لا تؤمن بالصلح، تغتاله وتكمل المسير، وكأن لك بيادق من سراب، بكل هذا العلو، وتلك الثقة.

(٦)
لا تبكي .. لقد تحررت الآن من سجني، السجن الذي كان يخنق روحي ويغتال كل وعي وخيال أحمله، الآن انا ارى الحياة دون قيود وأوهام، أراها جلية جدًا، كالشمس، كالقمر بالصحراء، كنت مثقل بالوعي، بالدهشة، لم أحمل همًا يعادل عمري، أو جسدي الهش الهزيل، مختبئ خلف ابتسامتي، لم يهمشها الزمن، أخشى أن تقسط، لكنها لم تسقط، بل سقط جسدي بأكمله، بهذا الطريق، غارق بدمي، حولي الكثير من الغرباء، لا أعلم لم هم هلعون لهذه الدرجة، ألهذا الحد فظيع هو المشهد الأخير لشخص غريب، بعيد عن أرضه، وطنه، وأحبابه، عن امي التي لن تهدأ بعد اليوم، وأبي الذي سيحمل دمعته ويسقط كبرياء الرجل العظيم، سيبكي كثيرًا، للحد الذي سيجعله يصفع الحياة، وابنه الذي رحل دون أن يودعه، ربما سيفتخر به كما في حياته، سيجعلني بطل خارق كأي شخص يعانق الموت، لا تبعثوا جثتي لحبيبتي، دعوها تحيا وتُحييني بذاكرتها وقلبها الذي لا يهدأ، لا تذرفي الدمع، فطوفان نوح لم يجف بعد، اني أراقبكِ الآن من السماء، لا أعلم ربما! أتى المسعفون الآن يبحثون عن النبض، ليتهم علموا بأنه معكِ الآن وللأبد وللأبد ...

(٠)
عندما يفوتك القطار، ستندم كثيرًا لأنك تأخرت، وعندما لا يأتي القطار ستتحجر من شدة الإنتظار، لكن عندما تأتي قبل الموعد وتركب القطار بكل طمأنينة وأمان، وبمنتصف الطريق ترى نفسك بصحراء وحيد تداعب العواصف، وتذكرتك التي قطعتها ثم قُطعت انت من الكرسي، ستشعر بخواء هذا الوجود، وتغرق بالعدم.

التناقض: اللوحة الصادقة للواقع .. هكذا يُرسم الواقع، مثل لوحتي أو رسائلي السابقة. 

الصفر هو البداية وإليه نعود.

الاثنين، 25 مايو 2015

وحيٌ مفخخ

ارتقى (من قعر جهنم) وحيٌ -مفخخ- من الشيطان يبحث عن مسجدٍ، بهِ تقام صلاة جمعة، حشود لا تنتهي، شيخ وطفل وكل أسراب الشباب، حائر يريد شهادة من الوهم منسوجة، تؤدي للرسول، لكن الشيطان رسوله، منه أتى وإليه يعود، متنكر بكل خبث وسذاجة، بزي لا ينتمي لهذه الأرض، دخل المسجد من بابه، نظرَّ الجموع والمحراب، وابتسم بسذاجة، هذا عدد لا يستهان به، تأخر كي يتوسط حشد المؤمنين، اقترب من كهل وطفل، وقال هلّ لي من مكان بمنتصفكم؟ ابتسموا وجلس، بمنتصف الصفوف، بمنتصف التكبير، والدعوات لله، كبّر الإمام بكلِ خشوع، وتلى من القرآن كلَّ يقينِ، ركع لله، ركعوا بكل طمأنينة وسلام، استنشقوا رائحة الإيمان، تحسس الشيطان خصره، حزام جميل به والآن ذروة شعورهم، صاح الإمام سمع الله لمن حمده، رفع رأسه من الركوع، واذا بالحشد يرفع نصف جسده، وفجّر الملعون حزامه وتلاشئ جسده لأشلاء كثيرة، وأنقطعت الصلاة، وأشلاء بلا ذنب طارت بزوايا المسجد، القرآن بكى دماء طاهره، سقط المصلون رأسًا للسماء، هكذا اليقين، لا يمس الأرض، حشد من الملائكة تزفهم، ليتهم علموا بأن هذا آخر ركوع لهم، لركعوا بورود لا تذبل .. لا تذبل لا تذبل

الثلاثاء، 21 أبريل 2015

لعنة القلم

الكتابة لعنة صعدت من الأعماق لتعانق الأوراق وتقطع الأنفاس، هي ولادة أخطبوط وموت أمه نتيجة لتلك الحياة، تتحد العلة والمعلول بلا اكتراث لأي منطق.

هكذا أن تمشي بالطرقات محملًا بكل هذه الأحرف وتمشي برشاقة يظنها الناظر خواء، ابتسامة ساحرة تخلو من أسنان!

تترقب ظهور ورقة قرب أصابعك، لتمزقها بحبرك وتنزف روحك لآخر سماء، كصحراء رأت واحة من سراب.

تبقى بهذه العتمة الخريفية، بعيد عن كل ألوان الحياة.

وحيد أنت وهذا الكون، لا أحد سوى غبار المجرات يرثيك بلا جنازة مادية.

القلم هو ذاكرة لا تُثقب، وهذه هي اللعنة التي تمتد كقطار بضائع لا ينتهي.

سم سقراط كان الكتابة، تناوله بكل فخر ببإبتسامة واثقة بحكمة ووعي، لا يعلم لمَ يبكي السجان وكل الأصدقاء والأعداء!

الكتابة تسرق ملامح الصبا وترمينا بالكهولة، دون إكتراث للسنين وعلماء الفلك، كأحلام كهل سرقها الدهر منه والعمر.

عندما قررت ترك الكتابة نزف قلمي نص جديد، وهذه قمة اللعنة التي لا تنفك أن ترحل.

الجمعة، 23 يناير 2015

الأخوة كارامازوف

ربما نتساءل كيف صمدت رواية روسية منذ عام ١٨٨٠م الى يومنا هذا
لم يهمشها الزمن أو بُعد المسافات من الغرب الى الشرق
اخترقت المسافات والمكان
لم تكترث بل واصلت سيرها وكأنها ظل الإنسانية الأبدي الذي لا ينتهي ولا يخشى السقوط بالعدم

هنا تتجلى الإنسانية بكل وضوح
انبثقت من ثلوج روسيا والشتاء الطويل
وكان هدفها الأسمى هو "الإنسان"
مهما كان عمره أو وطنه
فهي للجميع
وكأنها كُتبت لكل شخص بكونه فرد مستقل

فيودور دوستويفسكي هو روائي بكل ما تعنيه الكلمة
هو إنسان عبقري، يستطيع فصل ذاته عن الشخصيات وكأنه مجرد مشاهد او ناقل لا أكثر، يمتلك بعقله شبكة ضخمة مصنوعة من البشر والأحداث

واقعي جدًا لن تشعر بالغربة معه
منذ دخولك حتى الخروج
يردد دائمًا: هذا ماقُيل بعد الحادثة بقريتنا
والكثير من التفاصيل ينقلها بغير يقين "ربما" "او" "هذا ماقيل ولكني استبعده"
وكأنه حدثٌ حقيقي لا يستطيع التحقق من صحة ماتداول عنه

أشعر بأنني كنت بتلك القرية بكل تفاصيلها الدقيقه فعندما يكتب فيودور دوستويفسكي "قريتنا" لا أشعر بأي غربة بل بالإنتماء 

ومعهم بتلك المحكمة أُزاحم الحشد، لم ألاقي كرسي لأجلس لكنني بقيت واقفًا مع الآخرين، وأُصفق للمحامي العبقري سريع البديهة

فيودور دوستويفسكي يرسم الحيرة المتدفقة من أعماق الإنسانية ويغرس القلق الملازم للروح، لهذا الإنسان التائه بأرض الوهم المزخرف بالحقيقة
يزور أعماق النفس ويصوّرها بكل إيمانها وشكها وصراعاتها التي لا تنتهي

يتعامل مع كل شخص بكونه "إنسان" فريد لا يشبه أحد، له فكر مستقل مهما كان مظهره الخارجي، وهذه رسالة للتعامل مع كل إنسان بهذه الطريقة، وليس بالصورة النمطيه والقوالب الجاهزه

عائلة كارامازوف تمثل الإنسانية
وروسيا تمثل كل المجتمعات البشرية

الكاتب هنا فصل شخصيته وآراءه عن أبطال روايته
كل رأي أو فلسفة يطرحها بكل قوتها كما يطرح نقيضها بنفس القوة
لا يوجد أغبياء او ضعفاء، بل الجميع أقوياء وضعفاء
حتى الرأي المخالف للكاتب قوي بعكس أغلبية الروايات الاخرى، يركز على شخصية ورأي واحد وكأنه بطل خارق (سوبر مان) وباقي الشخصيات والآراء "لا شيء" ضعفاء وحمقى ولا يمتلكون ذرة عقل، هنا العكس تمامًا، الكاتب يتقمص كل شخصية وكأنها هو فعلًا يحيا بداخلها ويفكر بعقلها ويرى بعينها، وهذا واضح جدًا عند المقارنة بأليوشا وإيفان، أو وكيل النيابة والمحامي

لا يوجد شخصية تحمل شر مطلق أو خير مطلق، كواقعنا تجد الخير بأكثر الناس شرًا، والشر بأكثر الناس خيرًا

حس المفاجأة قوي جدًا
كل ما ستتوقعه سيتبخر
وأحيانًا يُلمح بما سيأتي 
ويصرخ: أنظر أنت عبقري توقعت الأحداث فعلًا!
لكن لا، هو من غرسها برأسك مع تلميحاته الخفية وكأنها استنتاجاتك

أغلب الظن بأن فيودور دوستويفسكي يصور ذاته بكل تناقضاتها بشخصيات روايته العظيمة، وكل شخصية تمثل مرحلة من حياتها

وكأنه يقول: "أسير بقلب قديسٍ وتحسبني زنديقا"

فارق دوستويفسكي الحياة عام 1881 فمشى في جنازته ثلاثون ألف شخص تقريباً, وعم الحزن روسيا كلها

وهذا ما تخيلته عندما انتهيت من هذه الرواية


الأربعاء، 7 يناير 2015

مذكرات رجل سقطت ملامحه





مذكرات رجل دون ملامح

وجدت هذه الأوراق بكهف عندما كنت مسافر لبلاد بعيدة خاوية من الحياة - ربما - وبالأعلى رسمة وجدتها بجدار قريب وحاولت رسمها، أغلب الظن انها لكاتب هذه المذكرات المتآكلة

(١)

انا المنفيُ الذي بعثره الزمان
أسير ناسيًا ملامحي التي سقطت منذ آلاف السنين
تركت كل الظنون كي أطير مع الرياح
دفنت الكراهية لأنها قيدٌ ثقيل
تجردني من حريتي وتستعبدني

(٢)

هناك حيث البرد القارص
والظلمة التي تغزوا أطراف المكان وقلوب البشر
حيث إنعدام الضوء والإنسانية
يُنير الاستاذ تلك الحفرة بنور الله الذي يتجلى بالقرآن
وصلابة إيمان سليم ويقينه الذي كان بمثابة أنفاسه ونبضه لا يستطيع مواصلة الحياة دونه
اليقين هو بوصلة النجاة
يتوقف الزمن خجلًا
و إن صح التعبير يُشل الوقت لا يستطيع الحراك
تُصنع الحياة من العدم
وتُعدم الحياة بكل أشكالها
للموت رائحة
يتسرب الموت بكل سلاسة
تصبح الحياة أمرٌ إستثنائي
والموت هو الأمر الإعتيادي
يقتاتون من نهر الخيال ليبقوا أحياء
الواقع شحيحٌ جدًا
يتوقف العمر
وينمو نحو الماضي
فالذكريات هي ماتبقى
وهي باقة ورد مسمومة
إن شممت عطرها قتلتك
تنزف جراحهم
وتتآكل أجسادهم الهشة
وتتلاشى ملامح وجوههم
ربما هرب للأبد

(٣)

وحيد هو الليل مثلنا، لكنه لا يتعثر أو يضجر، أما نحن نقاتل هذه الوحدة بأي شيء، بشعرٍ أو روايةٍ لاتنتهي، أو بعشق يبحث عن النور والفجر بعيد جدا

خاوية هي المدن التي تنام دون إكتراث لمحاربيها والسهر الذي يسامرهم كل ليلة، السهر أصبح ضياء لليلهم الطويل، هكذا الشتاء يأتينا محمل بالليل

الشتاء محمل بالليل والقسوة، وكل الذكريات القارصة، يسقط فيه المطر والكثير منا، كل مافيه جميل ومر، أتمنى أن تقف الأرض عن دورانها بالشتاء للأبد

مؤلم هو وخز القلم بكل هذه الأوراق، فؤادي هذا الذي ينزف بها، لم أكن يومًا أحد العشاق ربما، لكنني تحملّت الظمأ حتى جفّ الشوق مني باللقاء

محاصرون بالظلام، نهرب لمصباح ينير طريقنا الضئيل، نتناسى غلاف السماء المظلم جدًا

القصائد لاتنام، تنمو بصدري، هي درعي عند حصار الزمن بجسدي، أقاتل الزمن وأهرب، أحطم الأغلال والإختناقات التي تغزوا أنفاس الحياة وعمري الضئيل

(٤)

صباح الخير عزيزي
،، أعلم بأن هذه الجملة مقدسة جدًا بالنسبة لك كالصباح الذي تعشقه
أنت تبتسم الآن
لم أرى ملامحك منذ زمن ،،، أو ربما غيرها الزمان بشيء أجهله
لا أعلم كنت اقرأ رسائلك القديمة، انصدمت كثيرًا، أحقًا كنت هكذا
ربما انحدرت او ارتفعت لا علم لكنك تغيرت كثيرًا يارجل
سمعت بأنك تقاتل الحياة بشكلِ جيد
لذلك أرفقت لك بعض الأنفاس كي تلفظها بآخر الطريق
لن تغرق بأعماق المحيطات البشرية
تحاول عدم الغرق مع الغارقين
لكنك غارق دون أن تدرك ذلك من يعلم يا صديقي؟
حسنًا يا صديق العمر الآن انتهت رسالتي لا أريد الإطالة ،،، أراك قريبًا

(٥)


وللكون صوت يسير، يخترق المسافات كالضوء، ثم يتلاشى بالظلام، يكمن بالموسيقى، نعزف أنغام الكون لتبكي الأرض والسماء، والجمهور يصفق بلا دموع

يسقط كل شيء، يهرب للعدم المحدّق بنا، وتبقى الذاكرة معضلة تتشبث بالوجود وتلازمه للأبد، كأن الذاكرة رمز الخلود والوجود
ستحيا بذاكرة الآخرين، أنت حي حتى بقبرك، هل مات سقراط منذ آلاف السنين؟ لا لم يمت فهو حي بذاكرة الفلسفة والبشرية، فهو إنفجار الوعي
وكثير من الأشباح تحيا بيننا، لا وجود لها بالذاكرة، سيبتلعها العدم دون أسف، الذاكرة هي معيار الوجود
هل للشعر ذاكرة؟ فهو ثقيل جدًا، حمل التاريخ بأبطاله وأرذاله، اشترى أعماق الإنسانية بكهوفها ومطرها المبعثر، لم يتأثر بالزمن


(٦)

انا زورقٌ يمشي بلا خجلٍ
رغم تلاطم الأمواج بحُلمي
وخشية الرياح ان ترحل
وهذا العمر لم يسأل
هل السكون ام الحراك
لكنه يمشي دون التفات
يُجدف بجسدي رغم نكراني

انا صوت الرعد بالصيفِ
شوق الأمطار والشتاء
رعب ساحل طغى بحره
وهروب ناسكٍ سقطت ذاته

وحلُم ربيعٍ يمشي بلا أملِ


(٧)

يا رباه أنا طيرٌ
أدمن الهجرة لا يعلم
متى يصفو الربيع

أطيرُ بلا خجلٍ
أداعب الغيوم
أتغزل بشمسٍ تلحفت الغيوم سترًا

خارج حدود الكون
اتأمل عزف النسيم

ريحُ الحياة تلامس ملامحي
ملامح الحياة
وصوت الصلاة
وذاك الدعاء الساجد الراكع

بعيدًا عن صخب الحياة
أطير
أطير بلا ألم ولا استحياء
فأوجاع الحياة لم تعد تقيني حرّ السنينِ

خيوط الشمس تحملني
تمدّني بالأمل
بالحلم الذي لا زال يغفو
قرب أمواجي وسُكاني
ذات وهجٍ سوف تكويني
أو ربما تطوي حكايا أنفاسي
بكتاب الحياة المليء بنا
بأفراحنا التي لم تُذكر
كالهمس والأمس

غيمة صيفٍ لم تعد تسأل
لا تطيل البقاء
ترحل بعد ظِلال بلا ضَلال
بلا مطرٍ ربما
لكن بنا جميعًا

(٨)

متصوفٌ انا بالعشق يا سيدتي
أعتزلت الكون واللقاء فلا تسألي
لمَ هذا التقشف والجفاء؟
متمسكٌ بالمعنى وأجنحة الدعاء
صهرتُ ذاتي لأشكلها
ربما وجدت النجاة
وشيءٌ من الهُدى
بعيد عن الأمواج والسُحب
ليس بالأفلاك أو الأعماق
بل بجوف الكون متوحدٌ
متمسكٌ باليقين
أسير بالظلام وأرى
 أرى الأيام تهرب باكية
تشتم الإنسان وتصرخ قائلة:
قتلت السرّ والمعنى
حتى الأخلاق لم ترعى
لا تملك إلا الشكوى
وأنت سبب البلاء والحسرة


(٩) 

نحن غرقى ياسيدي

فلم نرى نوحًا
ولم نلمح سفينته
حتى الطوفان لم يسأل هرب منا خشية واستحياء

تآكلت صدورنا من شدة الصمت
وبُحَ صوتُ شكوانا

عالقين بالأرض
لا نستطيع الحراك
بيوت العنكبوت تراكمت بأعماقنا الحائرة
مهوسون بالسكون وكأننا موتى أو ندعي ذلك
والقبر سقف أحلامنا

بقينا عالة على الزمن
يحملنا دون وزن

(١٠)

عمَّ السلامُ ياسلام هنا
فهل للكلام معنى بعد الهناء

تثاقلت خُطايَ رغم انها تتلاشئ يومًا بعد يوم
لم أعد أقوى حملها أو فلنقل رسمها


ملاحظة: الورقة الأخيرة كانت ممزقه والخط ليس واضح هناك كلمات سقط على ما يبدو
(انتهى)