الأربعاء، 7 يناير 2015

مذكرات رجل سقطت ملامحه





مذكرات رجل دون ملامح

وجدت هذه الأوراق بكهف عندما كنت مسافر لبلاد بعيدة خاوية من الحياة - ربما - وبالأعلى رسمة وجدتها بجدار قريب وحاولت رسمها، أغلب الظن انها لكاتب هذه المذكرات المتآكلة

(١)

انا المنفيُ الذي بعثره الزمان
أسير ناسيًا ملامحي التي سقطت منذ آلاف السنين
تركت كل الظنون كي أطير مع الرياح
دفنت الكراهية لأنها قيدٌ ثقيل
تجردني من حريتي وتستعبدني

(٢)

هناك حيث البرد القارص
والظلمة التي تغزوا أطراف المكان وقلوب البشر
حيث إنعدام الضوء والإنسانية
يُنير الاستاذ تلك الحفرة بنور الله الذي يتجلى بالقرآن
وصلابة إيمان سليم ويقينه الذي كان بمثابة أنفاسه ونبضه لا يستطيع مواصلة الحياة دونه
اليقين هو بوصلة النجاة
يتوقف الزمن خجلًا
و إن صح التعبير يُشل الوقت لا يستطيع الحراك
تُصنع الحياة من العدم
وتُعدم الحياة بكل أشكالها
للموت رائحة
يتسرب الموت بكل سلاسة
تصبح الحياة أمرٌ إستثنائي
والموت هو الأمر الإعتيادي
يقتاتون من نهر الخيال ليبقوا أحياء
الواقع شحيحٌ جدًا
يتوقف العمر
وينمو نحو الماضي
فالذكريات هي ماتبقى
وهي باقة ورد مسمومة
إن شممت عطرها قتلتك
تنزف جراحهم
وتتآكل أجسادهم الهشة
وتتلاشى ملامح وجوههم
ربما هرب للأبد

(٣)

وحيد هو الليل مثلنا، لكنه لا يتعثر أو يضجر، أما نحن نقاتل هذه الوحدة بأي شيء، بشعرٍ أو روايةٍ لاتنتهي، أو بعشق يبحث عن النور والفجر بعيد جدا

خاوية هي المدن التي تنام دون إكتراث لمحاربيها والسهر الذي يسامرهم كل ليلة، السهر أصبح ضياء لليلهم الطويل، هكذا الشتاء يأتينا محمل بالليل

الشتاء محمل بالليل والقسوة، وكل الذكريات القارصة، يسقط فيه المطر والكثير منا، كل مافيه جميل ومر، أتمنى أن تقف الأرض عن دورانها بالشتاء للأبد

مؤلم هو وخز القلم بكل هذه الأوراق، فؤادي هذا الذي ينزف بها، لم أكن يومًا أحد العشاق ربما، لكنني تحملّت الظمأ حتى جفّ الشوق مني باللقاء

محاصرون بالظلام، نهرب لمصباح ينير طريقنا الضئيل، نتناسى غلاف السماء المظلم جدًا

القصائد لاتنام، تنمو بصدري، هي درعي عند حصار الزمن بجسدي، أقاتل الزمن وأهرب، أحطم الأغلال والإختناقات التي تغزوا أنفاس الحياة وعمري الضئيل

(٤)

صباح الخير عزيزي
،، أعلم بأن هذه الجملة مقدسة جدًا بالنسبة لك كالصباح الذي تعشقه
أنت تبتسم الآن
لم أرى ملامحك منذ زمن ،،، أو ربما غيرها الزمان بشيء أجهله
لا أعلم كنت اقرأ رسائلك القديمة، انصدمت كثيرًا، أحقًا كنت هكذا
ربما انحدرت او ارتفعت لا علم لكنك تغيرت كثيرًا يارجل
سمعت بأنك تقاتل الحياة بشكلِ جيد
لذلك أرفقت لك بعض الأنفاس كي تلفظها بآخر الطريق
لن تغرق بأعماق المحيطات البشرية
تحاول عدم الغرق مع الغارقين
لكنك غارق دون أن تدرك ذلك من يعلم يا صديقي؟
حسنًا يا صديق العمر الآن انتهت رسالتي لا أريد الإطالة ،،، أراك قريبًا

(٥)


وللكون صوت يسير، يخترق المسافات كالضوء، ثم يتلاشى بالظلام، يكمن بالموسيقى، نعزف أنغام الكون لتبكي الأرض والسماء، والجمهور يصفق بلا دموع

يسقط كل شيء، يهرب للعدم المحدّق بنا، وتبقى الذاكرة معضلة تتشبث بالوجود وتلازمه للأبد، كأن الذاكرة رمز الخلود والوجود
ستحيا بذاكرة الآخرين، أنت حي حتى بقبرك، هل مات سقراط منذ آلاف السنين؟ لا لم يمت فهو حي بذاكرة الفلسفة والبشرية، فهو إنفجار الوعي
وكثير من الأشباح تحيا بيننا، لا وجود لها بالذاكرة، سيبتلعها العدم دون أسف، الذاكرة هي معيار الوجود
هل للشعر ذاكرة؟ فهو ثقيل جدًا، حمل التاريخ بأبطاله وأرذاله، اشترى أعماق الإنسانية بكهوفها ومطرها المبعثر، لم يتأثر بالزمن


(٦)

انا زورقٌ يمشي بلا خجلٍ
رغم تلاطم الأمواج بحُلمي
وخشية الرياح ان ترحل
وهذا العمر لم يسأل
هل السكون ام الحراك
لكنه يمشي دون التفات
يُجدف بجسدي رغم نكراني

انا صوت الرعد بالصيفِ
شوق الأمطار والشتاء
رعب ساحل طغى بحره
وهروب ناسكٍ سقطت ذاته

وحلُم ربيعٍ يمشي بلا أملِ


(٧)

يا رباه أنا طيرٌ
أدمن الهجرة لا يعلم
متى يصفو الربيع

أطيرُ بلا خجلٍ
أداعب الغيوم
أتغزل بشمسٍ تلحفت الغيوم سترًا

خارج حدود الكون
اتأمل عزف النسيم

ريحُ الحياة تلامس ملامحي
ملامح الحياة
وصوت الصلاة
وذاك الدعاء الساجد الراكع

بعيدًا عن صخب الحياة
أطير
أطير بلا ألم ولا استحياء
فأوجاع الحياة لم تعد تقيني حرّ السنينِ

خيوط الشمس تحملني
تمدّني بالأمل
بالحلم الذي لا زال يغفو
قرب أمواجي وسُكاني
ذات وهجٍ سوف تكويني
أو ربما تطوي حكايا أنفاسي
بكتاب الحياة المليء بنا
بأفراحنا التي لم تُذكر
كالهمس والأمس

غيمة صيفٍ لم تعد تسأل
لا تطيل البقاء
ترحل بعد ظِلال بلا ضَلال
بلا مطرٍ ربما
لكن بنا جميعًا

(٨)

متصوفٌ انا بالعشق يا سيدتي
أعتزلت الكون واللقاء فلا تسألي
لمَ هذا التقشف والجفاء؟
متمسكٌ بالمعنى وأجنحة الدعاء
صهرتُ ذاتي لأشكلها
ربما وجدت النجاة
وشيءٌ من الهُدى
بعيد عن الأمواج والسُحب
ليس بالأفلاك أو الأعماق
بل بجوف الكون متوحدٌ
متمسكٌ باليقين
أسير بالظلام وأرى
 أرى الأيام تهرب باكية
تشتم الإنسان وتصرخ قائلة:
قتلت السرّ والمعنى
حتى الأخلاق لم ترعى
لا تملك إلا الشكوى
وأنت سبب البلاء والحسرة


(٩) 

نحن غرقى ياسيدي

فلم نرى نوحًا
ولم نلمح سفينته
حتى الطوفان لم يسأل هرب منا خشية واستحياء

تآكلت صدورنا من شدة الصمت
وبُحَ صوتُ شكوانا

عالقين بالأرض
لا نستطيع الحراك
بيوت العنكبوت تراكمت بأعماقنا الحائرة
مهوسون بالسكون وكأننا موتى أو ندعي ذلك
والقبر سقف أحلامنا

بقينا عالة على الزمن
يحملنا دون وزن

(١٠)

عمَّ السلامُ ياسلام هنا
فهل للكلام معنى بعد الهناء

تثاقلت خُطايَ رغم انها تتلاشئ يومًا بعد يوم
لم أعد أقوى حملها أو فلنقل رسمها


ملاحظة: الورقة الأخيرة كانت ممزقه والخط ليس واضح هناك كلمات سقط على ما يبدو
(انتهى)

هناك 4 تعليقات:

  1. بت في عالم آخر وسرت مع كل حرف من حروفك ، اقتحمتني رغبة في قراءة المزيد والمزيد حتى وصلت لآخر حرف ثم شعرت فجئه بالتيهه ، قررت أن اقرأها مجددا لكن انتابني نفس الأمرولا اعلم لماذا؟ ، ومع هذا فقد استمتعت بكل حرف قرأته وجذبتني الورقة الرابعة والخامسة، ننتظر كل مايبدع به قلمك، @tawam_.

    ردحذف
  2. راقت لي الرسمه.

    ردحذف
  3. الله..
    كانت الرحلة رائعة على متنِ حرفكَ.. استَمر فأنت تملُك قلمًا ثريًا.
    تحياتي

    ردحذف
  4. كلماتك حلقت بي الئ ذكريات قديمه وهاذه الذكريات تمزقني كل ماخطرت علئ اذهاني حقاا انك مبدع في اختيارك

    ردحذف