الأربعاء، 2 مارس 2016

أجنحة

أجنحة


بوابة الدخول : كسائحٍ أنظر للكون بدهشة!

الريشة الأولى: (1)
تخيّل أيها السفر، بأن هذا آخر لقاء لنا، نهاية عهدٍ وحقبة زمنية، وربما .. ربما هذه ولادة الحقيقة بيننا، هطول سيل من المسافات، لا تؤمن بالبدء، وانا مثلها لم أرى البدء، لم يلامس يقين وجداني، انا من انا؟ هل كنت هنا؟ هناك؟ أين الكون منه ومني؟  ولمَ يتسرب الحرف من بين أصابعي، سرق الإرادة مني ودثّرني بالحرية، خضّب حنجرتي، وأدخلني متاهات فيَّ لستُ أعلمها، لا خارطة، دون وجهة، أسير حثيث الخطى، أجرجر زلاتي، أرتب مخاوفي، اقبّلها كأرضٍ دون بستانِ، أقطف الزمان، بوعاء منقوش بالمكان، أراقب نزف العمرِ، لا أمتلك سوى عيني، وبصري ضعف منذ سنين، ما عساي فاعل؟ اتأمل الشتاء يسرق كل أوراقي، أجفّ والماء عذب تحت أقدامي، أبتلع العتمة والليل بجوفي يبحث عن صبحٍ قريب.

الريشة الثانية: (2)
تتساقط أورق السماء، كأن الشتاء ذاكرة تحصد الأيام، بلا زرعٍ، أرى خيطًا، أرى ملاكًا، ومعبد من البلور، أتمهل كي أحصي القديسين، بلا حدود هو المكان، مرايا أو ربما ملايين من البشر، أعدادهم في ازدياد، لم أفهم شيء من حركات أجسادهم، انهم في دوران أبدي، الدهشة تعلو ملامحي، وقفت متأملًا، ما مسيرة الإنسان بهذه الحياة؟ ما لهذا الدوران الأبدي لا يقف، انه دائرة الزمن، انني عالقٌ بالمكان، أحمل شكي، وأحطم كل ما تعلمته من قوانين الحياة، أسير وأوراقي معي، أدوّن حيرتي، ارتباكي، ترددي، وحدتي، أقطع المسافات بالترحال، أرى البشر، الطبيعة، وأشيّد نظرياتي التي أتحسسها بوعيي، انها ملكٌ لي، لا تحمل رمز أو اسم، خلعت الانتماء لأي فكرٍ أو مكان، كي لا يقيدني، (هل الاستقرار كمين؟) أهوى الحرية، والأجنحة، أمقت كل سلسلة تعيق الحراك، ان السكون مستنقع مليء بالأوبئة، الحركة أصل الكون، الذي يدور ويتضخم كل ثانية منذ انفجاره الأول، انني متمسكٌ بالشعر، وكأن القافية درع لا يخترقه الوجود، يخشاه العدم، يبدد الوحشة، يغتال صمت الأرض، يرسم أنين التراب، ان الأفكار هي عزائي الوحيد، مزقت كل التعاليم التي ورثتها، كي أحيا فعلًا انا، كيان، وكون، ووجود لا حدود له، سماء وأرض معًا في آن واحد، هذا العمر لن يتكرر، سيسرقه التراب على حين غفلة من بصري، وربما بصيرتي، لذلك وجب أن أقضيه بمعاييري الخاصة، أقيّم ما يستحق وما لا يستحق بهذه الحياة، لي النسبية، وللناس أيضًا، فلا يحق لأي إنسان أن يقيّم حياة أخيه، قناعاته، اهتماماته وهواياته، وحتى أوهامه، لا تحشر أنف معاييرك بحياته.

الريشة الثالثة: (3) بريد

إليك يا من لن تصل إليك هذه الكلمات ،، مع التحية
متأسف جدًا، انني بعيد بُعد السماء والنجوم، ما حيلة لي، سوى كتابة هذه الرسالة، سأقرأها مني إليك.
الآن العاصفة في عنفوان غضبها، وبدأت أشعر بدوار البحر، عندما رأيت أحدهم مرّ بقربي، كان يحمل ملامحك، متأكد بأنه انت، دمعت عيني، حاولت الوقوف، لكنني عندما رفعت جسدي الهزيل، لم أعد أرى سوى صور ضبابية سوداء، كانت الأصوات تتلاشى بشكلٍ تدريجي، كنت وحيد جدًا، بلا رفيق، بلا عكاز يسمى الأصدقاء، حاولت التشبث بأقرب شيء لي، تحسست الكرسي الخشبي، حاولت التشبث به، لكنه تخلى عني وسقطنا معًا.
أشعر بآلامٍ شديدة بكل عظمة بجسدي، بصعوبة بدأت أفتح نصف عيني، تحطم الكرسي بقربي، وكأنه يريد أن يواسي وحدتي، أتعلم! انه يشبهك تمامًا، سقطت أمام عيني، لا أعلم هل كان سقوطك للسماء، أم للأرض! انني متخمٌ بأحاديث الغرباء، بأفكارهم، بتزييف حقيقتي، لساني يرسم مختلف اللغات، بعيد عن لغتي الأم، ملامحي تأبى التخلي عن الانتماء، صدري غيمة أثقلها سر المطر، لا هطول، لا جفاف، لا شتاء، انني خريف، لقد شحب الكلام، وكأن رأسي مقبرة لأفكاري، سنين مرت يا صديق الروح، وانا أغفو كل ليلة، وكي أكون صادقًا، انني محموم بالأرق، أتمسك بقلقي الفكري، بأوهامي الثابتة، أخبئ أسراري بعناية، وتكون أنت حارس بلا بندقية، فأنت القلعة، والمدينة، والصلاة، وأوجاعي التي أتنفسها كي أحيا، جسر يحمي روحي من السقوط بالعدم للأبد،  وكأنك قارب نجاة، صنعته الملائكة من أجنحة معنوية، لا تُرى بالعين، تجدف كمعزوفة صوفية، انني أشعر بخفة بروحي، أتحسس النجوم، أرى الكثير، اللغة تعجز عن صب الرؤية بقالب قابلٍ للتأويل، غارق بالمعنى، بالوجود، بالأكوان السحيقة كالزمن، بامتداد المكان، وما المكان إلا وعاء يتسرب منه الزمن، يتشكل به، ثم يتلاشى، ويحيا بذاكرة البشر، بذاكرة الأشياء، بتراث القمح، وصوت الأرض، سأقف متأملًا، كما وعدتك، كي تكف الأرض عن الدوران.
 من سيداري وحدتك، ويمسح على الوحشة بصدرك، ستبكي وحيد، وتضحك بلا طعم.
من سيطبطب على عتمتي عندما أترك جسدي خاويًا، بلا روح، من سيعانق روحي وهي تعانق السماء، من سيقطع أكف الوداع، ليشغلها بالرجاء، من سيبللني؟
من سيمحو وحشة الليل من صدري، هذه الوحدة التي تتضخم بلا انفجار، وصوت الحياة الذي يرتجف بحنجرتي، أصرخ بصمتي على صوتي: أفق!

الريشة الرابعة: (4) بريد

غبارٌ مع التحية ،،

فجأة انبثق شيء من العدم، تلوّن المشهد بالأصفر، والأصفر فقط، يحجب السماء، الشمس، القمر، كل ما يمتد أمام عينيك، أجتاح القرية غبار لم يمتد لأيام، بل لشهور، ظننته في البدء ضيف عابر، وبالحقيقة انا هو الضيف العابر، وهو من المواطنين الأوائل، يعرف عادات المجتمع، ومخاوفه الأبدية، ويفهم ملامح كل وهم ورثوه من الأجداد، لأنه كان بينهم، يصيغ الأوهام، ويبدد الأحلام، يسطر الرؤى، ويدحض نبوءة لم تولد بعد، يدخل البيوت، يهتك أسرار الصدور، يبعث الاختناق، والربو كإثبات لوجوده الفعّال والمؤثر الذي لا يتأثر، هل هو بقايا الكون؟ بقايا الإنسان؟ لا أعلم، كل ما أعلمه بأن هذه الذرات تتناثر من خلايانا، من الفضاء، من شعاع المجرات، ثم لا تستقر.
 هو عالق بين الجبال، هنا، يبحث عن خلاص، عن جنة سماوية، عن شيء لا متناهِ، لكنه كالإنسان تائه بهذا الوجود، يبعثر الخطى، يشتت ما تبقى له من عمر، يبحث عن غاية، عن المعنى، عني وعنك، لا يكترث للتأويل، لا يبرر ما يفعل، هو يفعل وكفى، لم يراعي دستورنا وكل تشريع أو قانون أصدرناه، وكأنه يضحك ليثبت عجزنا، ونحن الذين اجتحنا كل بر وبحر، وصلنا الفضاء، اخترقنا القمر، اكتشفنا قوانين الطبيعة، انشأنا مدن من العدم، نفتخر بكل جنة أرضية خلقناها، نطير بالجو ضد الجاذبية، اكتشفنا كُنه الإنسان، سيطرنا على عقول ونفوس بالملايين، نتواصل بكل الطرق، خلال ثوان، بلا اكتراث بالمسافات وفرق الزمن.
انني أمسح الغبار عن زجاج سيارتي، كي أرى الطريق، كي تتضح الرؤية، مع ذلك لا يتضح شيء، تعايشنا معه، انه يأكل معنا، أشعر بحبات الرمل تنطحن بين أسناني، كتبي، كلوحة فنية، رسمها مبدع، يعلوها الغبار، بكل غلاف، فوق كل مؤلف حي كان أو ميت، لا يكترث، انه يعلو كل سطح.
أكتب الآن والحبر ممزوج بحبات الرمل، يتعثر قلمي، كي تثبت خطاي، وداعًا

الريشة الخامسة: (5) هبوط اضطراري للمجتمع أو ربما نافذة اجتماعية

الإنسان قادر على التعايش في أي بيئة كانت، بشرط أن يُجيد استغلال المعطيات المتوفرة أمامه، بأي مجتمع كان، في أي بيئة أو بلد، والذكي حقيقةً هو من يستطيع التعايش، وعدم أخذ البيئة كعذر لسوء حياته، انت إنسان لديك الصحة والوقت والمادة، حتى بالمريخ تستطيع تأمين حياة سعيدة، بشرط أن ترسمها برأسك قبل الواقع.

الكثير من أفراد مجتمع يعيش بصراع داخلي، ويظهر بوضوح في أفعاله وأحاديثه، وأسباب هذا الصراع هي الأمور التي يريد أن يفعلها ويعتقد بها بشكل واقعي، وما يفرضه عليه المجتمع من مبادئ ومثاليات، وفي نهاية الأمر يفقد الشخص نفسه والمجتمع، لأنه تائه بين الرغبات الداخلية والصورة الخارجية.


الانتماء يتشكل بطريقة تلقائية، انتماء عرقي، ديني، مذهبي، تخصصي، وغيرهم، وينمو التعصب كذلك بشكل تلقائي، وتوهم الأفضلية، والتعاون مع الجماعة، والتبرير للجماعة أيضًا، وتضخيم مساوئ الجماعات الأخرى، ومبدأ من ليس معنا فهو خطأ وضدنا، وتنشأ نظريات المؤامرة الي تؤرق ليلهم.


بوابة الخروج: كل ما في الأمر اني أحاول الفهم، ولا أصل إليه، سير الحياة، وسر الممات، بيان الحقيقة من الوهم، النظام الاجتماعي، هل يخدم مجتمع أم أفراد، ما حاجة الكون لي، وما حاجتي له، انني عالق بالزمن، مبهم طريقه ومنطقه، لا أعلم كيف يندمج الآخرين بهذا الوجود، أقف على أرضية هشّة الملامح والحدود.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق