تشير الساعة الى السادسة وست دقائق، لمٓ انا مستيقظ في يوم السبت، انه يوم إجازة وبالأمس سهرت كثيرًا مع الأصدقاء، حتى الفجر، تجاذبنا أطراف الحديث والشواء، تأملنا البحر كثيرًا، وتجمّدنا ببرد الهواء، الآن أحاول فتح عيني بصعوبة، أقوم بكل كسل ونشاط في آن واحد، أغسل وجهي وأرى ملامحي بالمرآة، أفتح عيناي على أشدهما من الصدمة! صدمة وعي ربما، انني أكبر مما أعي، لستُ كهل بالتأكيد، كيف وصلت لهذا العمر والشكل ومتى!
ست سنوات مضت الآن منذ خرجت من منزلنا لأول مرة لمكان بعيد (نسبيًا وقتها) خرجت وأمي وأبي يخشون علي من مواجهة الحياة، انا ذلك الفتى الذي كان يعتبر مسافة ٤٠ كيلو بعيدة جدًا، الآن انا بعيد ١٥٠٠ كيلو.
وركبت طائرات لساعات طويلة قاطع آلاف الأميال، اكتشف الحياة، أصقل فلسفلتي، أجرد ذاتي مما ورثت، ومما لم ترث!
اتسع منظوري للكون، للمفاهيم والمعتقدات، خالطت الكثير من البشر، تجاذبت المعنى مع الكثير من اللغات، والأكثر من العقول المتفاوته، نسبية الحقيقية تضخّمت عندي بشكل هائل جدًا، وكأنها هي الحقيقة المطلقة.
تمرّ الأيام كالضوء سريعة، وأفكاري ومعتقداتي لا تعرف طريق الثبات، كأنها رقصة أبدية، لا تشير الى شيء، وتشير لكل شيء، المسلمات العقلية في حرب دائمة، لا تعرف السلم.
أتيه في تأملاتي، أذهب للمطبخ لأصنع قهوة، القهوة التي لم أشربها منذ مدة، أخرج لأرى بداية الحياة، الصباح، بدء الكون، وبدء تكويني الغامض الخفي، عندما خفت حرارة القهوة شربت منها قليل، طعمها مرّ جدًا، لأول مرة أعلم انها جلدٌ للذات على التحمل، انا الذي كنت أتجرعها بكل هوٓس جنوني، بالرغم من ذلك أكمل القهوة، وأتذكر أصدقائي (الذين أصبحوا الآن قدامى) كيف كنا نجلس ونمزّق الأفكار يومًا بعد يوم، الآن أراهم بزيارات متقطعة، وأهلي كذلك، أزورهم كالضيف السريع، هكذا أظهر فجأة ولمحة كالغريب ثم أختفي لأيام أطوّل، الآن لدي أصدقاء من مناطق لم أعلم بوجودها على الخارطة حتى، وأماكن أخرى كنت أعرف اسمها فقط.
هذه الأعوام كانت تشكّلني، ولم تنتهي من ذلك، مررت بمراحل فكرية كثيرة، ونفسية أكثير، فقدت الكثير، وكسبت الأكثر (ربما) ولم أنتهي بعد، لا زلت على قيد الحياة، وقيد التغيّر والأبدي، كلي يقين بأننا جزء من الكون، جزء لا يستهان به مهما صغر حجمه، لذلك نحن ننمو كلما قطّعتنا الثواني، كلما فر من أيدينا الزمن، يسقط شيء منا، ربما لنا!


و تبقى عينايّ أجمل من عينيك.
ردحذفانت مبدع وجدأ بالتوفيق
ردحذفمعلومات جميلة !! لا أستطيع الانتظار إلى رسالتك التالية!
ردحذفتعليق بواسطة: muhammad solehuddin
تحيات من اندونيسيا